من أركان الحملة المشبوهة، التي يشنها العميل، الادعاء بأن الشهيد محمد الزرقطوني أمي وغير مثقف، وأنه منحل أخلاقيا ويرتاد المواخير، وأنه كان أجيرا صغيرا، وكان عديم الذمة يستعمل أموال المنظمة في معيشته، للإيحاء بأنه كان يستولي على الأموال لفائدة منافعه الشخصية!!!
كل هذه الادعاءات هي أباطيل وتضليلات، فالشهيد محمد الزرقطوني، كما هو معروف، ولد بالدارالبيضاء سنة 1927، وترعرع في أحضان الحركة الوطنية، منذ ريعان شبابه، وكان بكر والديه، ولذلك أولاه والده عناية خاصة بالحرص على تربيته تربية دينية، وتمكينه من كل عناصر التكوين والاستقامة، فألحقه بالمسجد لحفظ القرآن الكريم، وتمكن فعلا من إنهاء حفظ ستين حزبا، أو ما يعرف عندنا بـ»السلكة»، كما اعتنى بدراسته الابتدائية، بإلحاقه بالمدرسة العبدلاوية، ثم بتعليمه الثانوي بإلحاقه بمدرسة النهضة، وحرصا من والده على تلقينه مبادئ العلم والمعرفة الأساسية، كان مهتما كثيرا بجعله يستفيد، بانتظام، من دروس التقوية سواء في اللغة العربية أو اللغة الفرنسية…
ومع ذلك، يأتي اليوم، بعد 60 سنة على استشهاد الزرقطوني، من يزعم أن هذا البطل الفذ كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وأنه كان غير مثقف، في حين يعلم القاصي والداني أنه كان أحد المسيرين البارزين بحزب الاستقلال في الدارالبيضاء!!!
أما القول إن الزرقطوني كان أجيرا صغيرا، فهو قول غير صحيح البتة، إذ لم يسبق له أن كان أجيرا، بل كان تاجرا بقيسارية باب مراكش، ومنها انتقل إلى درب السلطان زنقة سيدي عقبة للتجارة في الخشب، وفي هذا المتجر بالذات كان يخبئ ثلاثة مسدسات، أخبرنا بوجودها في الاجتماع التأسيسي للمنظمة السرية يوم 7 أبريل 1951، فانتقلنا إلى هناك في تلك الليلة، واستخرجنا المسدسات الثلاثة، وفي اليوم الموالي، ذهبنا إلى الواد المالح حيث قمنا بتجريبها والتأكد من صلاحيتها…
وبخصوص المزاعم الخبيثة حول أخلاق الشهيد، يمكنني أن أؤكد، باعتباري تشرفت بأن أكون أحد رفاقه الأساسيين، أن المرحوم محمد الزرقطوني، عندما التحق بالعمل الفدائي، كان في ريعان شبابه، لم يتجاوز عمره آنذاك 27 سنة، لقد كان شابا خلوقا، متدينا، يتميز في علاقاته ومعاملاته بالطيبوبة والأدب ولطف المعشر، وكان جسورا مثالا للتضحية والوفاء وحب الوطن، إذ فضل أن يعطي وقته كله ويضحي بكل حياته من أجل الوطن على الركون إلى العبث وتزجية الوقت في الملذات، كما تصوره تقارير مشبوهة لمخابرات المستعمر!!!
أما الإيحاء بأنه كان يستعمل أموال المنظمة ويستولي عليها لأغراض شخصية، فهذه أفظع تهمة نسمعها منذ تأسيس المنظمة السرية، بل لم نسمعها حتى أيام المواجهة مع سلطات الاستعمار، التي كانت تسخر أذنابها لنشر الإشاعات والاتهامات للطعن في الفدائيين، لم نسمعها من الاستعمار، وعشنا حتى شفنا وسمعنا من يسوق اليوم هذه الأباطيل.
إن كل من تعرف على الشهيد محمد الزرقطوني، يمكن أن يؤكد أنه كان مثالا للنزاهة والاستقامة، وأنه كان عفيفا، وأبرز دليل على ذلك هي الحالة، التي ترك أسرته عليها، إذ كانت متوسطة الحال، وتركها كذلك، وأسرة شهيدنا مازالت موجودة أطال الله في أعمارهم، يمكن لأي كان الاتصال بأحد أفرادها للتأكد من هذه الحقيقة…
إن أبطال الوطن وشهداءه سيبقون أبطالا وشهداء، ولن يكون بمقدور مضللين، سواء بالأمس أو اليوم، أن ينجحوا في النيل من رمزيتهم الشامخة، سيبقون عنوانا للافتخار والعزة والرفعة والكرامة، عنوانا للتضحية ونكران الذات، وعنوانا لتاريخ شعب حافل بالبطولات والأمجاد…
الادعاء بأن الزرقطوني جبان ويخاف حتى السفر خارج البيضاء
من أركان الحملة المشبوهة، أيضا، محاولة العميل تشويه صورة الزرقطوني الفدائي، وأنه ليس بطلا ولا هم يحزنون، وإنما كان جبانا ويخاف السفر إلى المدن الأخرى خارج الدارالبيضاء…
في الحقيقة، لا أستطيع أن أصف مثل هذه المزاعم إلا أنها أسوأ وأفظع مهزلة عبثية سمعتها في حياتي، إذ أن شهيدنا الأبي، البطل الفذ محمد الزرقطوني، كان نموذجا يحتذى في الشجاعة والدهاء، ومن يعرفه، وهذا العبد الضعيف واحد ممن عرفوه وعاشروه، سيدرك أنه كان دائم التنقل بين المدن والقرى، في سرية تامة، لتنسيق عمل خلايا المقاومة المسلحة، من أجل أن تكون محكمة التنسيق والتنظيم، وهذا العبد الضعيف سافر معه أكثر من مرة، ويمكن العودة لكتبي، ابتداء من كتاب «مسيرة التحرير»، وصولا إلى كتابي الأخير «هوامش بالأحمر حول كتاب الفقيه البصري»، ليجد فيها القارئ تفاصيل واضحة عن أعمال الشهيد، وهي أعمال جليلة أمكن إنجازها بفضل أسفاره إلى عدد من المدن المغربية لإنشاء الخلايا وربط الاتصال وتمتين وتطوير العمل والتنسيق، ويمكن أن أذكر هنا، على سبيل المثال، تنقل الشهيد بنفسه إلى مراكش على متن سيارة «طراكسيون»، في محاولة اغتيال بنعرفة بمسجد بريمة، وهناك أيضا السفر إلى مدينة فاس، رفقة عبد ربه الحسين برادة، للاتصال بالأخ محمد الجاي، في مهمة إحداث خلية للمقاومة السرية هناك، بعد اعتقال وإعدام الشهيد عبد الله الشفشاوني وأعضاء خليته، ومن أجل تزويده بالسلاح، الذي حملناه معنا مخبئا في السيارة…
وأشهد، مثلما يشهد جميع رفاقه، أنه، طوال عمله معنا، ظل يعتبر نفسه مجرد جندي من جنود العمل الفدائي لا قائدا، وهذه خصلة لا تتوفر إلا للعظماء. ورغم تواضعه، فإن إحساسه الكبير بالمسؤولية، وإقدامه وشجاعته، جعلته يحمل كل صفات القائد، التي أهلته ليكون المسؤول الأول في التنسيق بين الجماعات المسلحة الموجودة بالمدن والقرى، من الجنوب إلى الشمال إلى وسط البلاد، وعلى هذا العميل الذي يقول إن شهيدنا البطل كان يخشى السفر خارج الدارالبيضاء بسبب رعبه من الوقوع في قبضة قوات الاستعمار، أن يبين لنا من كان يربط الاتصال بمقاومي فاس عن طريق الشهيد عبد الله الشفشاوني، وبمقاومي مراكش عن طريق الشهيد حمان الفطواكي، وهذان مجرد مثالين بارزين فقط على جليل الأعمال التي كان يقوم بها الشهيد، إذ كان يتحدى مطاردات الاستعمار وأذنابه ليسهر بنفسه على تشكيل خلايا المقاومة في عدة مدن مغربية…
2 غشت 2014
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع مدونة : نشرة المحرر - Nachrat Almouharir، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.
عبر عن رأيك