مداخلة باسم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب…
1 – هدر زمن سياسي ثمين
ليس هناك اختلاف بين جميع الفاعلين السياسيين وباقي المهتمين من شرائح المجتمع المغربي في اعتبار موضوع الجهوية المتقدمة رهانا أساسيا في تفاعله مع معطيات الوضع السياسي المغربي وتطوره. خاصة وأن دستور فاتح يوليوز 2011 استبطن المنطق الجهوي في البناء الديمقراطي، كما هو وارد في الخطاب الملكية وأشغال اللجنة الاستشارية حول الجهوية والسعي نحو جعل هذا الورش الهيكلي فرصة تاريخية لتطور نوعي في البناء اللامركزي للدولة.
لكن، وعلى الرغم من هذا الاجتماع يتضح بشكل جلي أن منهجية الاشتغال لم ترق لمستوى الأهمية الدستورية التي يحظى بها موضوع الجهوية بصفة خاصة واللامركزية بصفة عامة، إذ عوض أن تبادر الحكومة إلى الاشتغال على هذا الموضوع منذ توليها تدبير الشأن العام، فإنها تركت ذلك إلى غاية اقتراب موعد الاستحقاقات التي لم يفصلنا عنه إلا أيام قليلة: مما جعل من هذه المنهجية منفصلة عن رهانات التنزيل الديمقراطي للدستور.
2 – شكل قانوني غير دستوري
إن الحكومة، وللأسف، لم تحترم الدستور حتى في الشكل الذي وضعت فيه مشاريع القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ومن بينها ذلك المتعلق بالجهات، اذ بالرجوع الى الفصل 146 من الدستور يتضح انه نص على تخصيص قانون تنظيمي واحد يتضمن كافة المقتضيات القانونية المنظمة للجماعات الترابية التي حددها الدستور في الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات.
ولعل ان تنصيص الفصل 146 من الدستور على قانون تنظيمي واحد وليس ثلاثة لم يكن اعتباطيا بل قصده في ذلك هو تحقيق انسجام بين مختلف المقتضيات المنظمة للجماعات الترابية الثالثة وكذا لتحقيق جودة في التشريع كآلية للتقنين: وهو الامر الذي يتأكد في الدستور ليس فقط في صيغته العربية، بل ايضا حتى في صبغته الفرنسية، حيث نص فيها على قانون تنظيمي واحد وليس عدة قوانين تنظيمية، وجاء فيه une loi organique ولكم السيد رئيس الحكومة ان تعودوا الى الدستور لمقارنته وتحديد ممونه بمقارنة صيغته العربية مع صيغته الفرنسية.
3 – مشروع قانون تنظيمي بدون ديباجة أو مقدمة
ان ما يؤكد كذلك ان منهجية الاشتغال جاءت مشوبة بعدة عيوب شكلية عند الإعداد لهذا المشروع هو عدم ضبط قواعد التقنين المتعارف عليها او على الاقل عدم مراعاتها لهذه القواعد التي استقر ودأب عليها العمل التشريعي ليس فقط الوطني بل ايضا حتى في التجارب المقارنة.
وفي هذا الاطار، فمن المعلوم ان للتشريع العادي المتمثل في القوانين العادية اسباب و مرتكزات يقوم عليها ويكون من الواجب توضيحها وبيانها كمقدمة للنص القانوني، بل وحتى الدستور له تصدير يشخص اسباب نزوله ويوضح مرتكزات تفعيله: فكيف لقانون تنظيمي يأتي في التدرج مباشرة بعد الدستور وقبل القوانين العادية الا يكون بدون ديباجة أو مقدمة تبين مبادئه ومرتكزاته؟
وهذا هو العيب الواضح الذي يطبع بشدة مشروع القانون التنظيمي للجهات الذي أعدته الحكومة والذي نحن بصدد مناقشته اليوم، اذ جاء بدون ديباجة او مقدمة: الامر الذي يؤكد ان الحكومة قامت بإعداده وهي منفصلة عن رهانات التنزيل الديمقراطي الحقيقي للدستور.
فهذا المشروع جاء بدون بيان لمرتكزاته الدستورية ودون توضيح لمبادئه وأهدافه واسبابه من خلال ربطها بما يمتاز به عند مقارنته بالتجارب السابقة.
1 ) إقرار نموذج صوري لمبدأ التدبير الحر
لا يخفى على أحد أن المكانة التي حظيت بها الجهوية المتقدمة في النقاش العمومي خاصة بعد الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2010، قد عززها وكرسها دستور 2011 حيث نص من بين ما نص عليه، في فصله الأول أن: »التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة«.
وفي هذا الإطار، يمكن إذن اعتبار نتائج عمل اللجنة الاستشارية حول الجهوية بمثابة أعمال تحضيرية لما نص عليه الدستور في الشق المتعلق بالجهوية المتقدمة:
في الوقت الذي كان علي مشروع القانون التنظيمي للجهات الذي نحن بصدد مناقشته، أن يكرس مفهوما أكثر تقدما لمفهوم الجهوية المتقدمة في ترجمتها لفصول الدستور. فقد اتجهت عكس ما نص عليه الدستور وما أوصت به اللجنة الاستشارية للجهوية الأمر الذي يؤكد إرادة الحكومة في التأويل الضيق لهذا المفهوم.
وسنحرص هنا على إبراز جانبين من هذا التأويل
إن تنصيص الفصل 136 من الدستور على التنظيم الجهوي والترابي يرتكز علي مبادئ التدبير الحر، ما هو إلا ترجمة لمقترح اللجنة الاستشارية. والذي تصدر قائمة المقترحات، باعتماد جهوية ديمقراطية الجوهر.
فمبدأ التدبير الحر يستند إلى خمسة مرتكزات أساسية وهي:
2 )انعدام شروط تحصين التدبير الجهوي
إن التدبير الجهوي لما له من أهمية في ترسيخ الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية على مستوى الجهات، وكذلك اعتبارا لخضوعه لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فإن ذلك يقتضي دراية ومعرفة معمقة ومستفيضة بآليات التدبير وخاصة التدبير العمومي الذي يعتبر بمثابة تطبيق للقوانين الجاري بها العمل،وهو الامر الذي يستلزم ضرورة توفر المترشح الجهوي خاصة لمنصب الرئيس مستوى تعليمي يؤهل المعنيين إلى الاستجابة لمتطلبات التدبير العمومي للشأن الجهوي.
وفي هذا الإطار، إننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، طالبنا في العديد من المحطات ،وخاصة عند المناقشة التفصيلية لمواد هذا المشروع، إبان انعقاد اللجنة النيابية المختصة بضرورة اشتراط في الترشح لمنصب الرئيس ضرورة حصول المترشح على شهادة الباكلوريا على الأقل، لكن الحكومة رفضت ذلك في وقت تسن فيه نصوص تنظيمية ومراسيم تشترط في مزاولة بعض الحرف والأشغال ضرورة الحصول على شهادة دراسية معينة، أليس هذا احتقار للتدبير الجهوي عندما لا يتم تحصينه في مجال تولي مسؤوليته شهادة دراسية تليق بهذا التدبير؟
3 ) اختصاصات فضفاضة وناقصة
إذا كان مشروع القانون التنظيمي للجهات قد وسع بشكل محتشم الاختصاصات المسندة للمجلس الجهوي، فإننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نرى أن الكثير من هذه الاختصاصات جاء فضفاضا وعاما، ولايزال يتداخل فيه المحلي الإقليمي والجهوي، كما نرى أيضا أن عدم تدقيق هذه الاختصاصات وكما أشرنا لذلك سابقا يعود بالضرورة لعدم إعداد الحكومة لميثاق اللاتركز الذي كان من شأنه أن يحدد مستوى العلاقات والاختصاصات كل حسب مسؤوليته داخل إدارته الترابية.
وفضلا عما سبق ذكره، فإن إعطاء بعض الاختصاصات للمجلس الجهوي دون تمكينه من سلطة تدبير بعض الوسائل المؤسساتية للدولة على المستوى الجهوي كالوكالات الحضرية ووكالات التنمية للشمال والجنوب والمجالس الجهوي للسياحة من شأنه أن يحد من فعالية ونجاعة التدبير الجهوي، ولهذا اقترحنا بمعية فرق المعارضة الأخرى ضرورة تعديل بعض مواد هذا المشروع توسيع الاختصاصات الذاتية للجهات لتشمل المؤسسات المذكورة وهو الأمر الذي لم يتم قبوله من طرف الحكومة.
وحتى تتمكن الجهات من ممارسة اختصاصاتها على النحو الذي يحقق الفعالية والنجاعة في التدبير الجهوي، اقترحنا في الفريق الاشتراكي بمعية فرق المعارضة ضرورة الرفع من الأموال المرصودة للجهات من طرف الدولة في حصيلة الضريبة على الشركات بنسبة 10 في المِئة وحصيلة الضريبة على الدخل بنسبة 10 في المِئة وحصيلة الرسم على عقودي التأمين بنسبة 25 في المِئة و15 في المِئة من حصيلة الضريبة على القيمة المضافة تضاف إليها اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة لا تقل عن 1,5 مليار درهم، لكن الحكومة رفضت ذلك مما سيجعل من الجهات وخاصة في بداية تطبيق هذا المشروع تعاني من نقص في الموارد التي تؤهلها للقيام بالأدوار المنوطة بها، دون أن ننسى ضرورة دعمها بالموارد البشرية الكُفؤة والمؤهلة.
وختاما، وإذ نسجل في الفريق الاشتراكي رغم ما عانيناه سواء كفريق نيابي أو كحزب سياسي من تضييق حكومي في مجال المساهمة من موقع المعارضة في تحسين هذا النص القانوني وجعله يستجيب لرهانات مستقبل التدبير الجهوي، فإننا نسجل أننا انخرطنا بإيجابية في دراسة مشروع القانون التنظيمي للجهة وعيا منا بأن المصلحة العامة تقتضي ذلك رغم ما صدر عن الحكومة من تشويش على هذا الانخراط الإيجابي.
12 ماي 2015
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع مدونة : نشرة المحرر - Nachrat Almouharir، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.
عبر عن رأيك