في سياق التطورات السياسية الأخيرة التي عرفتها بلادنا، والتي شكلت انعكاسا لتفاعل الحراك المهني القطاعي بالأداء السياسي والعمل الحكومي، والذي انتقل من قطاع التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، إلى قطاع الأطباء (الصحة)، ثم إلى قطاع المهندسين، وجدتني، بصفتي منتميا إلى هذا الأخير، ومناضلا فيه، في وضعية اضطرارية لأدلي بدلوي في شأن ما صدر من قرارات ومواقف خلال الأسابيع الأخيرة، وما تخللها من تصريحات حكومية، ومن ردود أفعال للأجهزة التمثيلية والنقابية الناطقة باسم المهندسات والمهندسين. لقد تبين أن التفاعل في هذا الموضوع يجب أن يكون هدفه هو تعميق الدراسة والنقاش في كل المستجدات، بتحدياتها ورهاناتها، بمنطق يراعي المصلحة الوطنية، وطبيعة الترابط الوثيق بين حاجة البلاد إلى تقوية المهن القطاعية المهنية، وضمان تكاملها، وتناغم أهدافها، وانشغال الدولة والمجتمع الدائم بالرفع من وثيرة تطوير القطاعات الاقتصادية الوطنية.
فإرادة مني في الإسهام في تجاوز هذه الوضعية المتوترة، وأملا في تعويضها بأرضية توافقية بناءة، ارتأيت معالجة هذا الموضوع بكامل الموضوعية بالاحتكام إلى منطق الشمولية من خلال التطرق إلى ثلاث محاور أساسية.
المحور الأول: تقييم مسلسل خوصصة التكوين الهندسي وتوقيت التفاعلات
كما هو معلوم، مسألة الاعتراف بالتكوين العالي الخاص قد تمت إثارته لأول مرة من خلال قانون 01-00 سنة 2000، لتليه المصادقة على القوانين التطبيقية سنتي 2014-2015. أما مسلسل الاعتراف بمؤسسات التكوين الهندسي الخاص، فقد ابتدأ سنة 2016، ليتوج اليوم بالمصادقة القانونية على عشرة (10) مؤسسات أغلبها جامعات للتعليم العالي، وعلى رأسها الجامعة الدولية بالرباط، والجامعة الدولية بالدار البيضاء، وجامعة محمد السادس للعلوم الصحية، والجامعة الخاصة بمراكش….إلخ
لقد تدخل الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة والنقابة الوطنية للمهندسين المغاربة في هذا الأسبوع، طالبين رئيس الحكومة تجميد الإجراءات المتخذة في شأن مشاريع الاعتراف ب 18 مؤسسة جديدة، التي وضعها وزير التربية والتعليم والتكوين المهني لدى الأمانة العامة للحكومة، بدافع تخفيف الضغط على المؤسسات التكوينية العمومية، منبهين إلى خطورة هذه المبادرات، ومحذرين من تكريس هاجس تغليب الربح على الجودة في مجال مشاريع التكوين الهندسي.
وهنا لا يمكن للمتتبع أن لا يطرح سؤال توقيت تدخلات الوزارة الوصية بشكل متتالي، وما ترتب عن ذلك من حراك مهني بثلاث قطاعات (التعليم والصحة والهندسة)، وسؤال توقيت ردود الأفعال الإدارية والإعلامية للمنظمتين النقابيتين الممثلتين للمهندسين، لتبقى مسألة إجلاء الغموض عن منطق هذا التفاعل مرهونا بمدى إفصاح القطاعات الهندسية الحزبية على مواقفها الواضحة في هذا الموضوع والتطورات المرتقبة المرتبطة به.
المحور الثاني : في شأن الوضع السياسي العام
المحور الثالث: في شأن المستجدات المتعلقة بموضوع الترخيص لمؤسسات التكوين الهندسي الخاصة والمصادقة والاعتراف بالشواهد والدبلومات الصادرة عنها
إن الإيمان القوي للمهندسات والمهندسين في مختلف القطاعات بالارتباط الوثيق بين المشروعية المهنية والسياسية وجودة تدبير الشأن العام وتسييره الناجع، فرض عليهم دائما ومبدئيا الاصطفاف إلى جانب المبادرات والجهود الجادة الرامية إلى خلق القطيعة مع المشروعيتين التقليدية والكاريزمية، طامحين باستمرار إلى تحقيق الالتقائية اللازمة ما بين كل الفرقاء المعنيين في الدولة والمجتمع من أجل إيجاد السبل الملائمة والدائمة لتنمية العمل المشترك، المؤدي إلى ترسيخ مقومات ومصادر المشروعية العقلانية. إن مؤهلاتهم وخبراتهم العلمية، التي راكموها من خلال مسارهم التكويني وتواجدهم الميداني، جعلتهم لا يطيقون التموقع إلا إلى جانب الجهات الباحثة عن السبل المسهلة لتكثيف الجهود لتأثيث أرضية سياسية مشتركة، بآليات تجعل التموقع في السلم الإداري ببلادنا لا يتم إلا على أساس الكفاءة الإيجابية الفردية، والأداء والمردودية في الدفاع الصادق على الهندسة، وضوابط الانتماء إليها، وارتقاء أدوارها في المجتمع والدولة.
وعليه، فمن خلال التعاطي الموضوعي مع التطورات المتعلقة بانفتاح قطاع الهندسة ببلادنا على القطاع الخاص، وما أثير في شأنه من نقاش وتفاعل بخصوص الترخيص والاعتراف والمصادقة الرسمية على الشواهد والدبلومات، فإنني أرى أنه من الاستعجال الإقدام على خطوات هامة تتوج بالتوافق على خلق شروط التوافق في شأن النقط التالية:
خاتمة:
إن ارتقاء المهن الهندسية في إطار استحضار المصلحة الوطنية، لا يمكن أن يكون خاضعا لاعتبارات موازين القوى سواء بالنسبة لمكونات الجهاز التنفيذي أو التشريعي أو لمكونات المنظمات التمثيلية والنقابية. فموضوع مكانة الهندسة في ضمان الجودة في السياسات التنموية ببلادنا لا يمكن التطرق إليه أو اتخاذ القرارات في شأنه إلا من خلال منظور شامل يجسد حرص الدولة والمجتمع على توفير مقومات وازنة، وتحصين تراكمها من أجل التقدم في بناء المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي المزدهر اقتصاديا.
الجمعة: 21 يونيو 2019.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع مدونة : نشرة المحرر - Nachrat Almouharir، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.
عبر عن رأيك