يعد من المواضيع الحيوية في فهم الديناميكيات السياسية في العالم العربي. حيث أن إسرائيل ، منذ تأسيسها في عام 1948، لعبت دورًا رئيسيًا في التأثير على الاستقرار الإقليمي، وتحقيق أهدافها الاستراتيجية المتعلقة بأمنها القومي والنفوذ السياسي في المنطقة. وارتبط هذا الدور بترتيبات إقليمية وتحالفات مع قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة، والتي كان لها تأثير كبير على السياسة في العالم العربي.

1. دور إسرائيل في المنطقة:

منذ قيامها، كانت إسرائيل تسعى لتوسيع حدودها وضمان أمانها عبر تحقيق التفوق العسكري في المنطقة. هذا التوسع غالبًا ما تم عبر الحروب، مثل حرب 1948، وحرب 1967 (حرب الأيام الستة)، والتي أدت إلى احتلال أراضٍ عربية في فلسطين وسوريا ومصر (مثل الضفة الغربية، غزة، ومرتفعات الجولان).

كما سعت إلى الهيمنة على السياسات الإقليمية من خلال تحالفات مع القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، بهدف عزل الدول العربية عن بعضها البعض. استغلت إسرائيل علاقاتها بالغرب لتعزيز دعمها العسكري والاقتصادي، ودعمت تقسيم الدول العربية عبر النزاعات الطائفية والعرقية.

وتعتبر إسرائيل نفسها في حالة تهديد دائم من بعض الدول العربية، مما يبرر لها اتخاذ إجراءات قاسية، مثل العمليات العسكرية ضد حركات المقاومة الفلسطينية، أو تدابير لتقويض الأنظمة العربية التي تعتبرها معادية.

2. الفوضى الخلاقة:

ظهر مصطلح “الفوضى الخلاقة” في العقد الأول من الألفية الثالثة على لسان بعض المسؤولين الأمريكيين، مشيرًا إلى سياسة الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة في المنطقة العربية عبر إحداث تغييرات جذرية (غالبًا عبر الفوضى أو الحروب الأهلية) بهدف إعادة تشكيل النظام السياسي في المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.

تجسدت هذه السياسة في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، حيث أدت الحرب إلى سقوط النظام، وظهور تنظيمات متطرفة مثل “القاعدة” و”داعش”، مما أوجد حالة فوضى دائمة. كما انعكست هذه السياسة على دول مثل سوريا وليبيا، حيث اندلعت حروب أهلية دموية أدت إلى تغيير هياكل الحكم، وإضعاف الدولة المركزية.

ويمكن ربط سياسات إسرائيل بالأهداف الغربية في المنطقة، إذ إن الفوضى التي شهدتها بعض الدول العربية ساهمت في إضعافها، وتركها في حالة من الفوضى الداخلية، ما سهل على إسرائيل الحفاظ على تفوقها العسكري والسياسي. النزاعات الطائفية والعرقية الناتجة عن هذه الفوضى زادت من تقسيم العالم العربي، مما قلل من قدرة هذه الدول على الوحدة ومواجهة إسرائيل.

3. التأثيرات المشتركة:

إسرائيل، إلى جانب القوى الغربية، تسعى إلى إضعاف الأنظمة العربية التي قد تشكل تهديدًا لها. والفوضى الخلاقة كانت وسيلة فاعلة في هذا السياق، من خلال تغذية الصراعات الداخلية التي أضعفت قدرة الأنظمة على الرد بشكل موحد. في ذات الوقت، أصبحت بعض الأنظمة العربية أكثر ارتباطًا بالغرب وأقل قدرة على مقاومة الضغوط الخارجية، مما أدى إلى مزيد من القمع الداخلي، وتفكك النسيج الوطني.

4. الحرب على إيران: إسقاط النظام وتصفية المشروع العربي

في هذا الإطار، تأتي الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد إيران اليوم، ليس فقط بهدف القضاء على برنامجها النووي، بل ضمن مشروع متكامل لإسقاط النظام الإيراني وتفكيك مشروعه الإقليمي، الذي بات يشكل في نظر إسرائيل وأمريكا الخطر الأكبر على مصالحهما في الشرق الأوسط.

فالخطر الحقيقي لا يكمن في القنبلة النووية ذاتها، بل في النظام الإيراني الذي تبنّى دعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق، ونجح في تكوين محور إقليمي مستقل عن الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية.

تسعى إسرائيل اليوم إلى تفكيك إيران من الداخل عبر استغلال تركيبتها العرقية والطائفية، وتحويلها إلى دولة ممزقة، بلا مشروع ولا هوية سياسية، تخضع للنموذج الأمريكي الإسرائيلي كما حدث مع العراق وليبيا وسوريا.

الخطة واضحة:

إسرائيل تريد شرق أوسط بلا مقاومة، بلا حماس، بلا حزب الله، بلا طهران، بلا دمشق، بلا بغداد موحدة.

شرق أوسط بلا مشروع وطني ولا عقيدة مقاومة.

فقط أنظمة هشة، فاقدة للإرادة، تحكم شعوبًا متعبة، بينما تتحكم تل أبيب في مفاتيح السياسة والاقتصاد والأمن الإقليمي.

حتى اجتماع الدول السبع الأخير لم يكن سوى ضوء أخضر رسمي لإسرائيل لمواصلة عدوانها على إيران، تماما كما فعلت أمريكا مع العراق عام 2003.

لكن الفرق أن العدو هذه المرة هو نظام بفكرة ومشروع، لا نظام بجيش فقط.

ومخطط إسقاطه يعني أيضًا إنهاء مشروع “محور المقاومة” كاملاً، وتجفيف منابع أي فكرة سياسية أو عسكرية تتجاوز الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.

ولا يمكن في هذا السياق تجاهل ما كتبه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، الذي كان من أوائل من فضحوا هذه السياسات، مؤكدًا أن “الفوضى المنظمة” التي تنتجها الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط ليست عشوائية ولا ارتجالية، بل هي جزء من مخطط استراتيجي طويل الأمد يستهدف إضعاف الدول العربية وتقويض أي مشروع مقاوم أو مستقل عن الهيمنة الغربية.

يقول تشومسكي إن الولايات المتحدة وحلفاءها يعملون على تفكيك بنية الدول المركزية في المنطقة، من العراق إلى سوريا وليبيا واليمن، وخلق حروب داخلية تستنزف هذه الدول لعقود، مع إبقاء إسرائيل القوة الوحيدة المستقرة والمتفوقة عسكريًا واقتصاديًا.

ويؤكد أن إسقاط النظام الإيراني ليس هدفًا معزولًا، بل هو حلقة في سلسلة متواصلة بدأت منذ عقود وستستمر طالما بقي في المنطقة مشروع مقاومة.

5. خاتمة:

يتضح أن دور إسرائيل في المنطقة، مع تحالفاتها مع القوى الكبرى، أسهم بشكل مباشر في خلق بيئة إقليمية يهيمن عليها النزاع والانقسام الداخلي، مما يضعف الدول العربية ويجعلها أكثر عرضة للتدخلات الخارجية.

كما أن سياسة “الفوضى الخلاقة” التي تبنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها تسببت في تفشي الفوضى وعدم الاستقرار في العديد من الدول العربية، مما يصب في مصلحة إسرائيل، التي تجد في هذا الوضع فرصة مثالية لتعزيز أمنها واستراتيجيتها في المنطقة، مع ضمان بقاء الشرق الأوسط ساحة مفككة لا مشروع فيها ولا مقاومة.

محمد اللحاف

‫شاهد أيضًا‬

في حضرة الاختلاف: من ابن رشد إلى الجابري * بقلم : محمد اللحاف

في زمن يضيق فيه صدر الفكر، ويُختزل فيه الاختلاف إلى خلاف شخصي، يصبح الحديث عن ثقافة الاختل…