(1)

نظم المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان ، ندوة وطنية حول المحاكمة العادلة ، وذلك يومي 24و25 فبراير 2023 تحت عنوان:
العمل القضائي وضمانات المحاكمة العادلة في ضوء الدستور وتحديات الممارسة ،
وهذا المقال يلخص العرض الذي كلفت بتناوله في تلك الندوة ، وهي الندوة التي تعتبر الندوة الثانية، حسب علمي، التي تتناول بالدرس والنقاش موضوع المحاكمة العادلة ،
والمحاكمة العادلة تعتبر حقا من حقوق الإنسانالمثبتة في الاتفاقيات الدولية ، والتي التزم بها المغرب في دستوره ، وبالتالي أصبح ملزما بالتقيد بها سواء في القضايا الزجرية أو المدنية،
لكن الذي يميز هذه الندوة عن باقي الندوات التي تناولت نفس الموضوع هو:
1-هوية الجهات الأربع التي نظمتها والتي هي:
أ-الجهات المسؤولة على سن القوانين والتشريع الذي يلزم الدولة ويلزم المواطنين، وهي وزارة العدل، والتي يجب أن تكرس قواعد المحاكمة العادلة في كل التشريعات التي تصدر في بلادنا.
ب-الجهة المسؤولة عن تطبيق تلك القوانين على المواطنين، وهي القضاء، الذي يجب أن يكرس قواعد المحاكمة العادلة في أحكامه عليهم، سواء عندما تكون لهم خصومة مع القانون، أو خصومة في ما بينهم، أو خصومة مع الإدارة .
ج-الجهة المسؤولة عن مراقبة مدى احترام الحكومة عند سن تلك القوانين لمبدئي الشرعية والمشروعية، بما فيها مدى تطابقها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التي صادق المغرب عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، ومراقبة مدى تطبيق القضاء لتلك القواعد القانونية ولتلك الاتفاقيات الدولية في أحكامه، وهي المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، وذلك عبر تقارير التقييم ذات الصلة، وتقارير رصد التحولات التي تحدثها تلك التشريعاتمن جهة، وذلك التطبيق من جهة أخرى، ومدى شعور المواطن بتمتعه بالحقوق الأساسية الفردية والجماعية المكرسة في الدستور، وذلك من أجل التنبيه للخروقات أو الانحرافات التي قد تطبع بعض تلك التشريعات أو بعض تلك التطبيقات والأحكام القضائية .
2-إن منظمي هذه الندوة لم يختاروا لها الموضوع الكلاسيكي المتعلق بشرح المبادئ الأولية التي تتعلق بالمحاكمة العادلة وتحسيس الناس بها، والتي هي المرحلة الأولى التي مرت منها المراحل المؤسسة للمبادئ الأولية لحقوق الإنسان، لأنهم واعون بكون المغرب تجاوز مرحلة التحسيس بالمبادئ الأولية لحقوق الإنسان، وهو اليوم يوجد في المرحلة الثالثة أي مرحلة المحاسبة عليها، كما سأبين ذلك في ما بعد.
فموضوع هذه الندوة هو موضوع جد كبير ويحتاج لعدة ندوات، كما يحتج لوقت أكبر من الوقت المخصص لهذه المداخلة في هذه الندوة ،غير أن منظمي الندوة جعلوا موضوعها فرعيا لكنه كبير له أبعاد دستورية وقانونية وقضائية وكذلك دولية، وهو الموضوع الذي اختار له المنظمون المداخلة التي كلفوني بها وهو:
المحاكمة العادلة في ضوء المكتسبات والتحديات الراهنة.
وهو الموضوع الذي سأحاول ملامسته ومقاربته في الحدود الممكنة زمنيا وظرفيا، وهو الموضوع الذي يمكن قراءته كذلك تحت عنوان آخر وهو:
المحاكمة العادلة بين الإرادة السياسية ونحن.
وقبل الدخول في صلب مقاربة هذا الموضوع من المفيد التذكير بكون سؤال المحاكمة العادلة لا يتوجه به للقضاء فقط، ولا يعتبر وحده المسؤول عن تحققها أو عدم تحققها، بل هو سؤال يتوجه به كذلك لرجال ونساء مهنة المحاماة، وأحيانا أخرى للخبراء، لأن دور كل هؤلاء ومسؤوليتهم لا تقل على عن دور ومسؤولية القضاء لآنهم يقررون في القضايا الفنية التي لا محيد للقضاء من اعتمادها .
وإن كان دور القضاء يتقدم على كل هؤلاء المتدخلين في العملية العدلية بخطوات في تحمل المسؤولية بالنظر لأنه هو وحده من يقرر في نهاية المطاف وهو من ينطق بالأحكام القضائية .
كما أن سؤال المحاكمة العادلة لا يعني الأسرة القضائية وحدها، بل يعني بالأولوية الذين يضعون ويصوتون على القانون أي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، إذ أن المفهوم السليم للقانون ليس هو ما يصدر هاتين السلطتين في شكل فصول وأبواب ويحمل رقما وتاريخا، لأن هذه المواصفات قد نجدها في قانون معين، ولكن ليس بالضرورة يكون قانونا عادلا .
ذلك أن الدول الديموقراطية الحديثة لاتسمى بدولة القانون، لأن نظاما ديكتاتوريا أي بدون سلطة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، يمكنه ان يصدر هو كذلك قوانين .
بل الدول الديموقراطية الحديثة يسمى بدولة الحق والقانون، أي أن القانون الذي تصدره هذه الدول يجب أن يحمي الحقوق أي أن يكون عادلا، إلا فقد هويته كقانون تسنده الشرعية والمشروعية معا .
وكمثال على القانون غير العادل نورد ما أتت به مدونة الحقوق العينية في المادة 2 منها التي أصبحت تلزم كل من يملك عقارا مثل بيته الذي يسكنه وعائلته بأن ينتقل بانتظام إلى المحافظة من أجل التحقق هل لايزال العقار في اسمه أم تم التشطيب على اسمه وسجل محله اسم شخص آخر بواسطة عقد مزور وإلا تم طرده من منزله بعد 4 سنوات، إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها ،
إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه ،
فهذه المادة تلزم المالك الأصلي لمنزله بأن ينتقل كل مرة للمحافظة العقارية ليتحقق هل منزله لايزال مسجلا في اسمه أم تم التشطيب عليه من الرسم العقاري بالمحافظة العقارية حتى ولو تم ذلك التشطيب بعقد مزور.
إذ أن الحكومة التي اقترحت تلك المادة والبرلمان الذي صوت عليها في الفترة ما بين 2011 و2016 بدل أن يحميا معا حق الملكية، وفقا لما ينص عليه الدستور ،قررا حماية من يستعمل التزوير، أي من يخالف القانون.
فهذا القانون وإن صدر عن البرلمان فهو قانون غير عادل، لكن القاضي ملزم بتطبيقه، مما يؤدي إلى المس بشروط المحاكمة العادلة، ليس بسبب حكم القاضي، وإنما بسبب القانون غير العادل الذي سنته الحكومة وصوت عليه البرلمان.
هل توجد إرادة سياسية لتحقيق المحاكمة العادلة؟
من غير المنازع فيها أنه بدون الإرادة السياسية في أي إصلاح، لا مجال للحديث عن الإصلاح أصلا، وبدون ثمن يؤدى للوصول إلى الإصلاح، لا مجال للحديث عن الإصلاح، لهذا كانت ضرورة تحقق الإرادة السياسية مطلبا لكل المدافعين عن حقوق الإنسان في بلدنا، لأن الجميع كان يلاحظ غياب تلك الإرادة السياسية، وبالطبع كنا جميعا نتوجه بتلك الملاحظات مباشرة إلى الدولة علنا وصراحة معززين مطالبنا بغياب مطلق لأي نص دستوري أو نص قانوني يتكلم عن إلزام الدولة باحترام المحاكمة العادلة بشروطها المعترف بها في الاتفاقيات الدولية، سواء في القضايا الزجرية وكذلك في القضايا المدنية.
وسأحاول تناول هذا الموضوع،محافظا على نفس نسق وتركيبة العنوان حتى لا أخرج منه، وذلك انطلاقا من المداخل التالي:
1 – هل توجد لدينا مكتسبات تتعلق بالمحاكمة العادلة، وما هي؟
2 – هل المحاكمة العادلة تنتهي باحترام الإجراءات المسطرية في المحاكمة، أم تمتد لتشمل
تعليل الأحكام القضائية ؟
3 – هل تعليل الاحكام القضائية متحرر من السلطة التقديرية للقاضي منجهة، ومن الاجتهاد القضائي مع وجود النص القانوني من جهة أخرى؟
4 – ما هي التحديات الراهنية للعمل القضائي المغربي؟
سأحاول تقديم رأي حول هذه الإشكاليات الصعبة الأربعة، مستحضرا أن هناك إشكاليات غيرها كثيرة لا يسمح الوقت بتناولها، وعلما أني لا أضفي على هذا الرأي صبغة الكمال، بل هو رأي من بين آراء أخرى تقوي النقاش وتنميه وتفتحه على آراء أخرى في موضوع لا تخفى أهميته وحساسيته .
1-فما هي المكتسبات المتعلقة بالمحاكمة العادلة؟
قد يظهر من هذا العنوان أن فيه كثير من التفاؤل، لأن البعض قد يطرح السؤال هل فعلا تحققت الإرادة السياسية للدولة بخصوص توفير الشروط الدستورية والقانونية لتحقيق المحاكمة العادلة، لأنه في هذه الحالة وحدها يمكن الحديث عن المكتسبات المتعلقة بالمحاكمة العادلة، أي هل يوجد في قوانيننا أثر للنص على وجوب احترام شروط المحاكمة العادلة، يمكن التمسك بها والمطالبة بتطبيقها، أم أن مطلب المحاكمة العادلة لايزال مطلبا ملحا يتكرر في كل محاكمة وفي كل ندوة، بل وتواجه به بلادنا في المحافل الدولية، بحق أو بدون حق .
قبل الجواب على هذه السؤال من المفيد التذكير بكون الفكر المؤسس لثقافية حقوق الإنسان على الصعيد الدولي مر من ثلاث مراحل:
مرحلة التحسيس بالقواعد الأولية المؤسسة لحقوق الإنسان، وهي المرحلة الأولى التي يتم فيها إشاعة ثقافة حقوق الإنسان والتعريف بها وبأهميتها على الفرد وعلى الجماعة ، وبالتبع لذلك على التنمية المستدامة والاستقرار في أي مجتمع، ومرحلة التحسيس هذه يتم فيها الدفع إلى تعلم والتشبع بمبادئ حقوق الإنسان الأولية والإلمام بقواعدها والتعرف على الاتفاقيات الدولية المعنية بها، وهو التحسيس الذي دعمته الأمم المتحدة في عدة قرارات لها، وبعد ذلك دعمته الدول الكبرى، بل استعمل التمسك بحقوق الإنسان كسلاح في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، كما يعلم الجميع وهذا ليس هو موضوع هذه الندوة .
مرحلة الإعمال الفعلي للمبادئ وللقواعد المؤسسة لحقوق الإنسان، وذلك عن طريق إدخال قواعدها ومبادئها في القوانين الداخلية للدول لتصبح ملزمة بها، وكي تعتبر نفسها من بين الدول ديموقراطية .
واعتبار تلك القواعد التزاما من الدولة تجاه مواطنيها، بل أصبحت الدول التي لم تلائم قوانينها مع الاتفاقية الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان يشار إليها في كل المحافل الدولية كدولة لا تستوفي الشروط المتطلبة في الدولة الديموقراطية بمفهومها الحديث، ولا يطمأن للتعامل معها اقتصاديا واستثماريا وسياسيا وقد تعيش انحصارا بشكل من الأشكال .
مرحلة المحاسبة على عدم احترام حقوق الإنسان، وهي المحاسبة التي تبدأ بمراقبة مدى تطبيق الدولة لقواعد الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على مواطنيها، وتتمثل تلك المحاسبة:
أ-في حضور الدول إلى جنيف كل سنة من أجل تقديم تقرير حول وضعية حقوق الإنسان فيها أمام باقي دول العالم ، والجواب عن أسئلة المنتظم الدولي حول الموضوع، وهو امتحان صعب على معنويات الدولة المعنية، وكذا الرد على التقارير المضادة للمنظمات الوطنية لتلك الدولة .
ب-اشتراط احترام الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان للاستفادة من الاستثمارات الأجنبية، ومن الدعم أو المساعدة من المؤسسات المالية الدولية، كالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي .
ج- وتنتهي تلك المحاسبة بإنشاء المحاكم الدولية لمحاكمة من يمس بتلك الحقوق، كما هو الشأن بخصوص المحكمة الدولية ليوغوسلافيا، أو المحكمة الدولية لرواندا ، أو محاكمة بعض رؤساء الدول أو كبار المسؤولين فيها وغيرهم .
والمغرب اليوم تجاوز مرحلة التحسيس، كما تجاوز مرحلة التطبيق، بعدما لاءم عددا كبيرا من قوانينه مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، بل ورفع جل التحفظات التي سبق له أن وضعها بخصوص بعض الاتفاقيات الدولية التي سبق له وقع عليها .
فالمغرب اليوم يوجد في مرحلة المحاسبة لأنه مطالب في كل علاقاته الدولية التجارية وفي سياسته الخارجية وعلى رأسها قضيتنا الوطنية، أن يجيب عن سؤال مدى إعماله للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادق عليها، ومدى إعماله للقوانين التي تلزم باحترام مبادئ وقواعد حقوق الإنسان التي نص عليها في قوانينه الداخلية .
فهل تحققت تلك الإرادة السياسية؟
تتحقق الإرادة السياسية للدول كيف ما كان شكل نظامها عندما تعلن تلك الدول بشكل رسمي انخراطها وتبنيها والتزامها وإلزام باقي المؤسسات المكونة لهابالاعتراف وبإعمال وباحترام وبتطبيق قواعد المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها دوليا .
لقد كان من الملفت حقا أن جلالة الملك بصفته رئيس الدولة طبقا لفصل 41 من الدستور أن خصص خطابه بكامله بمناسبة عيد ثورة الملك والشعب في 20غشت 2009 لتناول إشكالية إصلاح العدالة، ووصف ذلك الإصلاح بكونه جزءا من الجهاد الأكبر الذي أعلن عنه جلالة الملك المغفور له محمد الخامس مباشرة بعد عودته من المنفى، إذ ورد في خطاب جلالته ما يلي:
«لقد كان في طليعة أهداف ثورة الملك والشعب، استرجاع استقلال المغرب، وبناء دولة المؤسسات، «القوية بسيادة القانون، وعدالة القضاء ،
«ومواصلة للجهاد الأكبر لتحقيق هذا الهدف الأسمى، فقد ارتأينا أن نخصص خطابنا، المخلد «لذكراها السادسة والخمسين، لإطلاق الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، تعزيزا لأوراش التحديث «المؤسسي والتنموي، الذي نقوده «.
كما أن خطاب جلالة الملك هذا لم يتوقف فقط عند الإعلان عن الإرادة في إصلاح العدالة، بل أعطى للحكومة آنذاك توجيهات واضحة بوضع قوانين تؤسس للمحاكمة العادلة وتفرض احترامها، إذ بالرجوع إلى التوجيه الثالث المذكور في ذلك الخطاب يتبين منه أنه يتضمن أمرا صريحا بوجوب احترام المحاكمة العادلة ، إذ ورد فيه ما يلي:
«مهما كانت وجاهة الأهداف الاستراتيجية، التي يمتد إنجازها على المدى البعيد، فلا ينبغي أن «تحجب عنا حاجة المواطنين الملحة في أن يلمسوا عن قرب وفي الأمد المنظور، الأثر الإيجابي «المباشر للإصلاح ، لذا، نوجه الحكومة، وخاصة وزارة العدل، للشروع في تفعيله، في ستة مجالات، ذات أسبقية،
«أولا:
«ثانيا: تحديث المنظومة القانونية ولاسيما ما يتعلق منها بمجال الأعمال والاستثمار، وضمان شروط المحاكمة العادلة.
غير أن هذه الأمر التوجيهي الواضح والمعبر عن تحقق إرادة سياسية واضحة في كون الدولة ملتزمة باحترام القواعد المؤسسة للمحاكمة العادلة وضمانها، لم يلق استجابة من الحكومات المتعاقبة منذ خطاب 2009 إلى اليوم .
وستتدخل الإرادة السياسية مرة ثانيا وذلك عبر دستور 2011 الذي يعتبر ثالث تحكيم ملكي عرفه المغرب في ظل الملكية الثالثة، وهو ما يمكن تسميته بتحكيم بين الدولة والدولة، والذي تمثل في سن دستور 2011 الذي سيدخل على النظام السياسي المغربي تحولات جد كبيرة تنافس كبريات الديموقراطيات في العالم، وعلى رأس تلك التحولات قضية أولى وأخرى ثانية، لهما معا نفس الأهمية المركزية:
الأولى: تتمثل في أن جلالة الملك تنازل عن حقه في تعيين رئيس الحكومة خارج نتائج الانتخابات، كما كانت تنص على ذلك كل الدساتير منذ الاستقلال إلى دستور 1996 ، وأصبح ينتظر ما ستسفر عنه عمليات انتخاب مجلس النواب من قبل المواطنين، وبعد ذلك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد، وهو تحول يترجم مبدأ التشاركية الحقيقية في تدبير الشأن العام التي ينص عليها الفصل الأول من الدستور ،أي ان المواطنين يشاركون في ذلك التعيين باختيار الحزب الذي يريدونه أن يدبر شؤونهم الخاصة والعامة، وأن الملك يعين لهم من بين أعضاء الحزب المختار من طرفهم رئيسا للحكومة، وهذا التحول يترتب عنه تحمل المواطن بالدرجة الأولى مسؤولية حسن اختياره للحزب الذي منحه أصواته.
الثانية: تخص القضاء إذ تخلى جلالة الملك عن تعيين القضاة لفائدة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، واحتفظ فقط بحق الموافقة على ذلك التعيين، كما تنازل بصفة نهائية عن حقه في عزل القضاة الذي بقي من اختصاص المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهي الاختصاصات التي كانت مسندة للملك في كل الدساتير السابقة منذ الاستقلال إلى دستور 2016.
علما أن التحكيم الأول كان بين المجتمع والدولة، وترجم في تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة التي كلفها جلالة الملك بإنصاف ضحايا سنوات الجمر والرصاص التي عرفها المغرب، وهي الهيئة التي وقفت على مسؤولية الدولة والقضاء معا على ما وقع في تلك المرحلة، وعين جلالة الملك على رأس تلك الهيئة أحد ضحايا تلك الفترة وهو المرحوم الأستاذ ادريس بنزكري، وهي التجربة التي عجزت عدة دول أن تقوم بها .
والتحكيم الثاني كان بين المجتمع والمجتمع وتمثل في تقديم مشروع مدونة الأسرة للبرلمان لأول مرة في تاريخ المغرب، لأن قانون الأحوال الشخصية صدر بواسطة ظهير وكان يعدل بظهائر، ولم يسبق أن سمح للبرلمان بمناقشته أو تعديله .
وأتى هذا التحكيم من أجل رأب الصدع الذي عرفه المجتمع آنذاك حول محاولة تعديل قانون الأحوال الشخصية، وتمثل الخلاف وتعقدت الأمور عندما أخرجت مسيرة بالدار البيضاء تطالب بعدم إدخال أي تعديل على قانون الأحوال الشخصية، في مقابل مسيرة للمجتمع المدني وللأحزاب الوطنية التي نظمت قبل ذلك في مدينة الرباط، والتي كانت تطالب بإدخال تعديلات ترد الاعتبار للمرأة وتحمي حقوقها وتحمي حقوق الطفل أي الأسرة بصفة عامة .
وستتأكد الإرادة السياسية المتجهة إلى وجوب إعمال والاستفادة من المحاكمة العادلة مرة ثالثة، ومن أعلى هرم الدولة ورئيسها، ليس فقط للتذكير بإلزامية ضمان المحاكمة العادلة، بل حددت تلك الإرادة السياسية كيفية تنفيذها فعليا وعلى أرض الواقع ليستفيد منها المواطن مباشرة ، وليس لتبقى حبرا على ورق، وهي الإرادة السياسية المعلن عنها في الرسالة التي بعث بها جلالة الملك للمؤتمر الدولي الأول حول استقلال السلطة القضائية، الذي عقد في مراكش في أبريل 2018 ، والتي ورد فيها ما يلي
«بغض النظر عما حققه المغرب من إنجازات، في بناء الإطار المؤسساتي لمنظومة العدالة، فإنه «يبقى منشغلا، مثل كل المجتمعات التي تولي أهمية قصوى للموضوع، بالرهانات والتحديات التي «تواجه القضاء عبر العالم .»
«ويأتي في مقدمة هذه التحديات، ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في الممارسة والتطبيق، «باعتبار أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا «للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي .
«فهو حق للمتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلال وتجرد وحياد، وأن يجعل من القانون وحده «مرجعا لقراراته، ومما يمليه عليه ضميره سندا لاقتناعاته .
«وهو واجب على القاضي، الذي عليه أن يتقيد بالاستقلال والنزاهة، والبعد عن أي تأثر أو إغواء «يعرضه للمساءلة التأديبية أو الجنائية.
«كما أن تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، «يشكل تحديا آخر يجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها، لمواكبة التحولات الاقتصادية «والاجتماعية، التي تشهدها مختلف المجتمعات .
فمضمون الرسالة الملكية هذه أتى ليعزز التزام الدولة بالمفهوم الحقيقي للمحاكمة العادلة ليس فقط على المستوى التنظيري ، بل انتقل إلى مجال التطبيق الفعلي لها على أرض الواقع، إذ توجهت تلك الرسالة إلى كيفية تعليل الحكم وكيفية إصداره، وهو التعليل والإصدار الذي يجب أن ينطلق من تطبيق القانون، وينتهي الىتطبيق القانون .
كما أن الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يذكر بالمضمون الرسالة الملكية عند تخرج فوج من الملحقين القضائيين كتوجيه أولي يجب أن نير لهم الطريق وهم في بداية طريقهم، سواء ما تعلق بكيفية إصدارهم للأحكام التي سيتكلفون بها، أو ما يتعلق بالمفهوم الصحيح لاستقلال القضاء الذي هو مفهوم صدر عن ضامن استقلال القضاء جلالة الملك وفقا للفصل 107 من الدستور .
أي الإعمال الحقيقي للمفهوم دولة الحق والقانون، حتى لا تبقى الأحكام القضائية موضوع اختلاف في التفسير والتأويل وتبعا لذلك موضوعا للتمييز في تطبيق القانون بين المتقاضين، وموضوعا للتشكيك أيضا خارجيا .
ويتجلى ذلك الإعمال في ما تضمنته تلك الرسالة من تحديدها لمفهوم المحاكمة العادلة بكونها:ألا يحكم القاضي في ما يقضي به بين المتقاضين في النزاع بينهم، أوفي ما يقضي به على المتقاضين أي في نزاعهم مع القانون، إلا بما ينص عليه القانون والقانون وحده .
فتلك الرسالة أتت لتذكر بما أتى به دستور 2011، أي لتذكر واضعي القوانين وتذكر المسولين على تطبيقه، بضرورة الالتزام بضمان استفادة المتقاضين والمواطنين من المحاكمة العادلة، وفقا لما ينص عليه الفصل 120 منه على ما يلي:
«لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول .
«حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم .
غير أن هذه الإرادة السياسية الواضحة لم تترجم على أرض الواقع من قبل الحكومات المتعاقبة، كما لم تترجم في بعض الأحكام القضائية، وهو ما وقفت عليه اللجنة المكلفة بإنجاز تقرير حول النموذج التنموي التي اعتبرت أن من بين الأسباب الأربعة التي عرقلت التنمية في بلادنا وضعية العدالة، وضمنت في تقريرها توصيفا جد صعب وجد قاس ترجم النظرة التي خلصت إليها تلك اللجنة حول العدالة في بلادنا، وهو التوصيف الذي ذكرته في الفقرة الأولى من الصفحة 32 منه ،إذ ورد في الفقرة الأولى ما يلي:
«يتعلــق العائــق الرابــع بالشــعور بضعــف الحمايــة وعــدم القــدرة علــى التوقــع الــذي يحــد مــن «المبـادرات بسـبب الهـوة مـا بيـن بعـض القوانيـن التـي تخللهـا مناطـق رماديـة والواقـع الاجتماعـي، «وقضــاء يعانــي مــن انعــدام الثقــة إضافــة إلــى ثقــل البيروقراطيــة وتعثــر ســبل الانتصــاف .
كما ورد في الفقرة الثالثة من نفس الصفحة 32 منه ما يلي:
«أن الاعتقـاد السـائد بكـون العدالـة غيـر فعالـة يسـهم في كبـح الطاقـات ، وعلى الرغـم مـن الاصلاحات»التـي تـم إطلاقهـا لضمـان اسـتقلالية القضـاء وتعزيـز فعاليتـه والثقـة فيـه، فـإن إحـراز النتائـج يعـرفبعـض التأخــر: آجــال طويلــة للبــث فــي الملفــات، عــدم القــدرة علــى توقــع الاحــكام، نقــص فــي الكفــاءات، ضعــف فـي الشـفافية، وقصـور علـى مسـتوى السـلوك والاخلاقيـات ، إن الممارسـات «التعسـفية، وإن كانـت معزولـة، وعـدم دقـة بعـض النصـوص القانونيـة وتفاوتهـا مـع الواقـع والممارسـة «يقـوي تصـور المواطنيـن والفاعليـن بخصـوص مخاطـر عـدم الاطمئنـان والتعـرض للتعسـف فـي»منظومـة العدالـة ، وينظـر المواطنـون إلـى بعـض حـالات عـدم الدقـة فـي الصياغـة القانونيـة علـى «كونهـا هوامـش لتوظيـف القانـون لأغـراض معينـة الـذي قـد يمـس ممارسـة الحريـات العامـة والفرديـة، «ممـا يجعلهـا بذلـك تحـد مـن حريـة تعبيـر المواطنيـن ومشـاركتهم كفاعلين . لذا من الصعب الحديث عن عدم وجود الإرادة السياسية لإعمال القواعد القانونية لضمان واحترام شرط المحاكة العادلة التي هي الوجه الناصع لأي إصلاح للعدالة.
ومن الصعب كذلك سماع خلاصة ما انتهت إليه لجنة النموذج التنموي التي تقول للمسؤولين على العدالة إنكم لم تترجموا على أرض الواقع تلك الإرادة السياسية الواضحة لإصلاح العدالة، ما دام أن تلك الإرادة أصبحت محصنة دستوريا وصدرت من أعلى سلطة في البلاد .
ومن الملاحظ أنه منذ دستور 2011 لم تتحرك الحكومات المتعاقبة لإدخال تعديلات حقيقية على قواعد المسطرة الجنائية وقواعد المسطرة المدنية تفعل وتدخل إلى مجال التطبيق قواعد وشروط المحاكمة العادلة، لذلك قلت في مقدمة هذا العرض إن مطلب المحاكمة العادلة لا يزال مطروحا ،
ومما يؤكد ما سبق هو أن الحكومة الحالية اأحالت أخيرا مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية على الأمانة العامو للحكومة من أجل مباشرة مسطرة التشريع القانونية بخصوصه، غير أن بعض وسائل الإعلام تداولت خبر سحبه مجددا .
لكن الذي يهمنا هو ما أتى به مشروع قانون المسطرة المدنية،لأنه هو أول معيار للتعرف على تصور الحكومة وفهمها للمحاكمة العادلة .
فالقراءة الأولى لذلك المشروع يتبين منها أنه يهتم بالأولوية بالدفع بالقضاة وحثهم على الإسراع في إصدار الأحكام، بينما لا وجود فيه لأي مؤشر يبين الاهتمام بالنجاعة القضائية، ولا بالقواعد الأولية للمحاكمة العادلة، مما يضع السؤال كيف يمكن للقاضي أن يجمع بين واجب تحقيق النجاعة في إصدار الأحكام القضائية بما يقتضي من إلزامه بالبحث والاجتهاد لتكون الاحكام القضائية عنوانا للحقيقة ، وبين إلزامه بان يسرع في اصدار حكمه وفاء لما يسمى بالزمن الافتراضي لصدور الاحكام ،او الاسترشادي،وكأن اصدار الحكم مثله مثل صنع أي علبة او آلة جامدة تدخل في قالب مهيئ بصفة قبلية لا يتغير ،
ان الدفع بالتسريع في اصدار الاحكام تجاوز ما يصرح به المسؤولون في الندوات او في غيرها سواء القدامى منهم والجدد ، بل اتى مشروع قانون المسطرة المدنية ليقلص من آجال الطعن ويقلص منآجال البث في الطعون ، ويدفع الى تركيزالقضايا المختلفة ليصدر فيها حكم واحد ، وتكليف المتقاضي بعمل كتابة الضبط في تبليغ الاستدعاء مع انه يؤدى للدولة الرسوم القضائية على المقال الذي يقدمه للمحكمة ،
فإين نحن من ضمان الحكومة لتطبيق شروط المحاكمة العادلة كما هي محددة في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وادخلها في دستوره ،
3 – هل المحاكمة العادلة تنتهي باحترام الإجراءات المسطرية في المحاكمة ،ام تمتد لتشمل تعليل الاحكام القضائية ،
الاعتراف بالحق في المحاكمة العادلة لا يكفي فيه الإعلان عليها في القوانين اوالدساتير ، لان عددا من الدول تنص في قوانينها علىعددكبير من الحقوق ، لكن بدون أي إعمال لها علىارض الواقع ،
لكن الاعتراف الحقيقي وتبني والانخراط في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقواعد الأساسية للمحاكمة العادلة يستلزم النص على الآلية التي تمكن من استفادةالمواطن من مزايا المحاكمة العادلة ، أي آلية اعمالها على ارض الواقع ،أي اعمالها في تعليل الاحكام القضائية وفي إصدارها ،حتى يشعر بها المتقاضي والمواطن في القضايا التي تهمه سواء كانت ذات طبيعة وزجرية او مدنية ، كما ورد ذلك في خطاب جلالة الملك في سنة 2009 المشار اليه اعلاه ، وكما خلصت اليه اللجنة التي أنجزت تقرير النموذج التنموي ،

(2)

وهذه الالية هي تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 120 من الدستور الذي ورد فيه:
«لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول.
وهذه الإرادة السياسية لإعمال المحاكمة العادلة التي ربطتها بتطبيق القانون والقانون وحده بين المتقاضين،أتت في احترام تام لقواعد الدستور الذي جعل من تطبيق القانون والقانون وحده هو المعيار الوحيد لتحقيق المحاكمة العادلة ، لان القانون هو إرادة الامة طبقا للفصل 6 من الدستور الذي ينص على ماي يلي:
«القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات «العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له ،
فإرادة الامة هي التي تقرر من هي الأفعال المجرمة والممنوعة وماهي عقوبتها ، وما هي اجراءات الواجب اتباعها لمحاكمة لمن يخل بإرادة الامة ، وهي التي تقرر كذلك ماهي المعاملات المدنية الصحيحة وما هي غير الصحيحة التي يجب ابطلاها ، وتقرر في إجراءات المحاكمة بشأنها.
أي ان المحاكمة العادلة تتلخص في تطبيق القانون والقانون وحدهسواء في الإجراءات او الاحكام بالإدانة او بالبراءة، او في الإجراءات والاحكام المتعلقة بطلان الحقوق او الالتزامات ،عندما تتخذ في مخالفة للقانون.
وانه بمقاربة ما أتت به الرسالة الملكية ، ومانصت عليه الفصول6 و110 و120 و124 من الدستور يتبين منها انها جاءت في توافق تام مع ما أتى به دليل حقوق الإنسانالخاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسانبالتعاون مع رابطة المحامين الدولية التابعة للأمم المتحدة في 02 يونيو 2003، وعلى الخصوص في فصله السادس ،الذي أكد على ان المحاكمة العادلة تعني أن يطبق القانون بدون تمييزعلى الجميع.
وبالفعل فإنه بالرجوع الى الفصل 6 من ذلك الدليل يتبين منه انه حرم على القاضي استعمال التمييزفي احكامهسواء بناء على العرق او الجنس او الدين او غيرها من الحالات التي تفرق بين الافراد ضدا على ما تجمهم عليه الطبيعة البشرية.
وانه إذا كان القضاء في المغرب ليس معنيا بحالات التمييز المتعلقة بالدين والجنس او غيرها لان احكامه لاتضع تمييزا بين المتقاضين بخصوص الحالات المشار اليها اعلاه ، |لا ان الفصل السادس حرم كذلك على القاضي التمييز في تطبيق القانون.
والمقصود بعدم التمييز في تطبيق القانون هو أن يشعر المتقاضي بان الحكم الذي طبق عليه كان تنفيذا لما ينص عليه القانون ،وهو القانون المذكور فعلا في حيثيات الحكم الذي صدر عليه، والذي يمكنه الاطلاع عليه والتحقق من كون الحكم كان مطبقا للقانون أي عادلا ،لأنه طبق القانون الذي يعلمبه ذلك المواطن ، ولم يفاجأ بصدور الحكم ضده.
كما ان ذلك الحكم هو نفس الحكم الذي صدر ضد غيره او لفائدته ،وهو ما يسميه الفصل 6 من الدليل المذكور أعلاه بالحق في المساواة امام القانون ، والمساواة في المعاملة بموجب القانون ، وعدم التمييز في تطبيق القانون ، أي ما نسميه نحن بوجوب توحيد العمل القضائيفينفس النوازل ،وبالتبع لذلك ضمان إشاعة وحدة القانون المطبق على جميع الافراد.
حقا يمكن القول ان التنظيم القضائي الذي دخل حيز التنفيذ أخيرا ،استحضر مضمون الفصل السادس ووضع آلية للحيلولة دون اصدار احكام مختلفة باختلاف على المتقاضين امام نفس المحكمة ، مع انهم يوجدون في نفس الوضعية ،والزم بان تصدر نفس الاحكام على كل المتقاضين عندما يكونون في نفس الوضعية.
وبالفعل فإن قانون 38 ،15 المتعلق بالتنظيم القضائي أكد على وجوب تطبيق الحق في المساواة امام القانون عندما اعتبر بان التنظيم القضائي في المملكة يتكون من محاكم ،وليس من قضاة ، كما هو واضح من المادة الأول منه التي نصت على:
يشمل التنظيم القضائي:
أولا المحاكم الدرجة الأولى كما نصت المادة 5 من نفس القانون على المبدأ المركزي والأساسي للتنظيم القضائي بالمغرب وهووحدة القضاء ، إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
«يعتمد التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء، وتعتبر محكمة النقض اعلى هيئة قضائية» بالمملكة.
فالمادة 5 المشار اليها أعلاه تتكلم على وحدة القضاء، وليس وحدة القضاة، أي انها تتوجه الى الحكم الذي تصدره المحاكم ، ولا تتوجه الى القاضي ،كما انها تعتبر كجواب على سؤال نية الدولة في احداث محكمة عليا للقضاء الإداري بانه لا رغبة اليوم في انشاء محكمة عليا للقضاء الإداري مستقلة على محكمة لنقض ، وهو ما يعني وجوب توحيد العمل القضائي على كل المتقاضين في المغرب ،بل ذهبت تلك المادة الى حث محكمة النقض بان تعمل على توحيد الاجتهاد فيكل المحاكم على الصعيد الوطني ، وتوحيد الاجتهاد القضائي هو الوسيلة الوحيدة لمنع التمييز في تطبيق القانون وفقا لما ينص على الفصل السادس من الدليل المشار اليه أعلاه، ومن مستجدات ما احدثه التنظيم القضائي هو انهرفع عنمهامالقاضي استقلاليتها عن المحكمة التي يعمل بها ، عندما اخضعهالى سلطة المسؤول القضائي بها، وهو ما يتبين من المادة 7 من قانون 15 ،38 المتعلق بالتنظيم القضائي التي ورد فيها ما يلي:
«تمارس المحاكم مهامها القضائية تحت سلطة المسؤولين القضائيين بها، مع مراعاة مقتضيات «المادة 42 من القانون التنظيمي رقم 13 ،106 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وتمارسمها»الادارية والمالية تحت إشراف المسؤولين القضائيين والاداريين بها، بما يؤمن انتظام واستمرارية «الخدمات التي تقدمها.
«تعقد المحاكم جلساتها بكيفية منتظمةلايجوزبأي حال من الاحوال، الاخلال بالسير العادي «لعمل المحاكم، ويتعين على المسؤولين المعنيين اتخاذ جميع التدابير اللازمة لذلك طبقا للقانون، «بما في ذلك برنامج الرخص الادارية للقضاة والموظفين العاملين بالمحكمة.
فالمادة 7 من التنظيم القضائي جعلتمهام القاضي القضائية،أي الاحكام التي يصدرها، تحت سلطة المسؤول القضائي لمحكمة التي يعمل بها، أي تحت سلطة رئيس المحكمة ،بل ان تلك السلطة تجاوزت مهامه القضائية الى الدخول في حياته الخاصة عندما رخصت لرئيس المحكمة تحديد برنامج رخصته الإدارية، علما ان تلك الرخصة تتداخل بين ماو شخصي وما هو وظيفي، وكان من الاحسن السكوت على هذا التداخل كما هو كان الوضع في السابق وليس تغليب بنص القانون الجانب على آخر.
فالمادة 7 المذكورة تطرح اليوم سؤال حول المفهوم الجديد لاستقلال القاضي، خصوصا:


1 – أنها استعملت نفس الصيغة القانونية المستعملة في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة بخصوص قضاة النيابة العامة،وهي الصيغة المستعملة في المادة 25 منه التي تنص على أن قضاة النيابة العامة يعملون تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين.
2 – ان القانون التنظيم القضائي تداولت فيه المحكمة الدستورية بطلب من رئيس الحكومة السابقة مرة أولى، تم مرة ثانية وبعد ذلك صادقت عليه فيها، بعدما اعتبرت ان بعض مواده مطابقةللدستور، وبعضها ليس فيهما يخالف الدستور.
وعودة لموضع العرض، وإذا كان القاضي أصبح ملزما بتطبيق القانون وحده، فإن سؤالا سيطرح نفسه حول معنى وموقع السلطة التقديرية للقاضي من جهة، ومعنى وموقع الاجتهاد القضائي مع وجود النص من جهة أخرى ، وهو ما سنتناوله في العنوان التالي:
3 – هل تعليل الاحكام متحرر من السلطة التقديرية ومن الاجتهاد في مورد النص.
بالرجوع الى صلب عنوان هذه الندوة نجده يتعلق بالتدارس حول العمل القضائي وضمانات المحاكمةالعادلة، أي موضوع يتوجه الى الاحكام القضائية التي صدرت الى اليوم ،وهل حمت وضمنت المحاكمة العادلة ام لا.
بخصوص السلطة التقديرية فلا خلاف في انها هي ذلك التفاعل د الوجداني للقاضي الذي يختلي فيه لنفسه ،ليتخذ قرار معينا لا يشاركه فيهاحد ولا يهتدي إلا ما انتهت له تأملاته الداخلية ،والتي هي بالضرورة تأملات تختلف باختلاف كل قاضي.
لكن يجب ان لا ننسى بكون القاضي هو انسان قبل ان يكون قاضيا ، وبالتالي فإن تفاعله الوجداني يتغير بتغير المكان والزمان والظروف المحيطة به ،وبتغير القضايا والمتقاضين المعنيين بتلك القضايا ،وبالتالي فإن الاعتماد على السلطة التقديرية سيؤدي الى اصدار احكام تختلف وتتعدد باختلاف وتعدد القضايا والمتقاضين.
وإذا قبلنا بمشروعية اصدار الاحكام بناء على السلطة التقديرية، وليس بناء على القانون،فإننا سنكون في تعارض واضح مع الفصل السادس من دليل حقوق الإنسانالخاص بالقضاة والمدعون العامون والمحامون الذي يمنع على القاضي التمييز في تطبيق القانونعلى المتقاضين.
ذلك ان مبدأ تجريم التمييز في تطبيق القانون يعني ان على القاضي ان يطبق على كل الافراد نفس القانون ،وليس ان يطبق عليهم رأيه الشخصي المستنتج من سلطته التقديرية الذي ستختلف باختلاف المتقاضين والقضايا.
فالفصل السادس ادن لا يترك مجالا للحديث عن أي سلطة تقديرية في اصدار الاحكام القضائية ، ولأنفي اعمال السلطة التقديرية في اصدار الاحكام القضائية، فيه مس بمبدأ المساواة بين المتقاضين امام القانون ، وبالتالي فيه مس بالمحاكمة العادلة.
فالزام القاضي بتطبيق القانون والقانون وحده وهو إلزام نصت عليه الفصول 6 و110 و120 و124 من الدستور، واكدت عليه الرسالة الملكية المشار اليها أعلاه، وهوإلزام بعدم التمييز في تطبيق القانون ،وهو الالزام المنصوص عليه في الفصل السادس من دليل حقوق الإنسانالخاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
فالسلطة التقديرية لايسمح بها للحكم بين الناس، ولا يسمح بها للحكم على الناس ، لأنه سيكون في ذلك تمييز في تطبيق القانون الذي يمنعه الدستور والرسالة الملكية والاتفاقيات الدولية ، لان السلطة التقديرية هي متغيرة بطبيعتها بتغير القاضي وتغير المتقاضي وتغير القضايا.
لكن القانون يسمح للقاضي باستعمال سلطة التقديرية عندما يصدر الحكم لفائدة الناس فقط، أي في المجال الذي يتطلب الحكم تقديرا معينا ،أي في مجال تزاحم وسائل الاثبات المقدمة له ، او مجال تحديد التعويض.
لكن المجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا ومع ذلك لم يتركا يد القاضي مطلقة في اعمالهلسلطته التقديرية حتى في هذا المجال الذي يدخل في اختصاصها، بل ان محكمة النقض وإن اعترفت بالحق في استعمال القاضي لسلطته التقديرية، إلا أنها فرضت عليه والزمته بأن يعلل ما قضى به بناء على سلطته التقديرية،
ومعنى هذا الخلاصة هي ان الحكم بالإدانة من اجل جريمة معينة لابد فيها من الاستناد الى وسائل الاثبات المحددة في القانون، وهي تلك المذكورة في الفصل 404 منظهير الالتزامات والعقود ، يضاف لها وسيلة اثبات جديدة احدثتها مدونة الاسرة وهي الخبرة، والتي نقلتها المدونة من طبيعتها كوسيلة من وسائل تحقيق الدعوى كما هي منصوص عليها في الفصول 55 وما بعده من قانون المسطرة المدنية، الى وسيلة اثبات ،وذلك وفقا لما تنص عليه المادة 153 من مدونة الاسرة، عندما اعتبرتها هذه الأخيرة بكونها وسيلة لإثبات الفراش الذي يثبت به النسب ،ونفس الشيء يهم القاضي الذي يبت في القضايا المدنية.
فوجوب اعتماد وسائل الاثبات القانونية ، وليس السلطة التقديرية،هو الزام منصوص عليه في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية التي لا تعطي للقاضي الحق بان يحكم بالإدانة بناء على سلطته التقديرية، خلافا لما يذهب له البعض، بل تنص على ان الإدانة يجب ان تبنى على وسائل الاثبات أولا، وان تدخل القاضي واستعمالهلسلطته التقديرية محصور فقط في الترجيح بين وسائل الاثبات ان وجدتوعند تزاحمها، إذ تنص الفقرة الأولى من تلك المادة على ما يلي:
«يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة منوسائلا لإثبات، ماعدا في الأحوال التييقضي القانون فيها» بخلاف ذلك، ويحكم القاض يحسب اقتناعها لصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع «القاضي وفقاً للبند 8 من المادة 365 الآتية بعده.
وانه ما يعزز ان القانون لايسمح للقاضي بان يصدر حكمه بالإدانة بناء على سلطته التقديرية ،هو ان القانون يلزم القاضي بالحكم بالبراءة إذا لم تتوفرفي الملف وسيلة من وسائل الاثبات القانونية التي يثبت بها الجرم، وهو ما تنص الفقرة الأخيرة من المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية ، والتي ورد فيها ما يلي:
«إذاارتأتالمحكمةأنالإثباتغيرقائمصرحت بعدمإدانة المتهموحكمتببراءته».
فالسلطة التقديرية التي أعطاها القانون للقاضي تستعمل عند تزاحم وسائل الاثبات مع وسائل النفي ،هنا يتدخل القاضي ليحسم بين وسائل الاثبات ،وليس في غياب وسائل الاثبات المقررة قانونا ، لأنه في هذه الحالة فإن القانون يلزمه بالحكم بالبراءة.
لأن السماح بالاعتماد على السلطة التقديرية فياصدار الاحكام القضائية هو الذي ادى مثلا في قضية كانت منذ سنتين معروضة على المحكمة الجنحية بالدار البيضاء، الى اصدار حكم قضى بنسبة طفل الى امرأة ليس من رحمها، مع ان نظرية الابن للفراش تنطبق على الطفل المولود من رحم الزوجة، ولا تنطبق على الطفل الذي لا علاقة له برحم الزوجة ، لان هذا الحكم بالإضافة إلا انه خرق القانون فإنه خرق آية قرآنية التي تقول بعد باسم لله الرحمان الرحيم: (ادعوهم لآبائهمهو أقسط عند لله…) سورة الأحزاب الآية الخامسة، بينما هذا الحكم نسب الطفل لغير ابويه ،فهو خرق آية قرائية الى جانب خرقه للقانون، وهو الحكم الذي سأعود اليه في تعليق خاص به،. (مراجع الحكم متوفرة).
ونفس التحليل يهم كذلك العمل القضائي والاجتهاد القضائي الذي تكون مهمته ليس في مخالف النص المعلوم من القانون، لان القاضي ليس هو المشرع ومصدر القانون، بل هو مطبق للقانون الذي يصوت عليه السلطة التشريعية بالتساوي بين الناس.
فالاجتهاد القضائي لا يمكنه ان يلغي نصا قانونيا معلوما، ولا ان يصدر حكما يعطي بواسطته حقا لا يوجد نص قانوني يسمح به او يمنعه، او يحرم شخصا من حق يعترف له به القانون، إذ مدار شرعية الحكم القضائي وجودا وانعداما هو في تطبيقه لنص القانون وليس لمخالفته.
فقرار لمحكمة النقض مثلا الذي يعتبر ان تفويت الحق في كراء محل مهني يكون صحيحا بدون ان يستدعى المكرى مالك العقار لحضور مجلس العقد، بينما القانون صريح في انصحة عميلة التفويت لا تتحقق إلا باستدعاء المكري مالك العقار، فهذا القراروإن صدر على محكمة النقض فهو قرار خرق للقانون الجاري به العمل بشكل واضح، (مراجع القرار متوفرة).
وحيث ان ما وقع من ردة الفعل القوية للمجتمع على العقوبة التي حكم بها المتهمين الذي اعتدوا جنسيا على طفلة تيفيلت، هو مراقبة مجتمعية للسلطة القضائية لا تعرف المهادنة، هي ردة فعلا تجاوزت حدود المغرب ووضعت قضاءنا مرة أخرى تحت المجهر، وهو ما نتمنى ان تتكرر.
فالاجتهاد القضائي هو ذلك التدخل الذي يقوم به القاضي للتوفيق بين قاعدتين أو أكثر من قواعد القانونيةالجاري بها العامل عند تزاحمها ،وليس الغاء قواعد قانونية معلومة وواضحة، وليس خلق قاعدة قانونية غير موجودة يعتمد عليها لإعطاء حق لطرف لا يسمح به القانون له.
وكماعبرت على ذلك المحكمة الإدارية بالرباط في احدى احكامها السابقة، عندما فسرت الاجتهاد القضائي بكون هو الحفاظ علىالمراكز القانوني للمتقاضين، وليس تغييرها تلك المراكز القانونية خارج ما ينص عليه القانون، أي عندما لا يوجد نص من القانون يغلب طرف من أطراف الدعوى على الآخر فإن دور الاجتهاد القضائي ان يحافظ للأطراف على مراكزهم القانونية السابقة على عرض النزاع على المحكمة، حتى لا يكون الحكم القضائي سببا في تمكينطرفمن الحصول على حقوق لا يسمح لهالقانون بها، واخدها من أصحابها الذين يعترف لهم بها القانون.
كما ان السلطة التقديرية بدأنا نراها تمارس في بعض قرار النيابة العامة عندما تقرر حفظ بعض الشكاياتبدعوى حقها في إعمال مبدأ الملائمة.
إن مبدأ الملائمة لا اعتراض عليه وهو الية ضرورية لتدبير الدعوى العمومية، لأنها مرصودة لكل الغايات المتعلقة بالنظام العام وبثوابت اللامة المجمع عليهاولما هو مشترك بين افراد المجتمع، وهيآلية معمول بها في الدول التي تعتمد نظامالملاءة في تدبيرالدعوى العمومية، على خلاف الدول الاخرى التي تعتمد على قانونية المتابعة، أي عدم احقية النيابة العامة في حفظ أي شكاية لان قضاة الحكم هم المؤهلون للفصل في شكايات المتقاضين من جهة، واحترام الحق في الولوج للقضاء بالتساوي بين الجميع من جهة اخرى.
فالمواطن والمتقاضي لا يفهم في القضايا التجارية والمدنية، أي في النزاعات الفرديةالتي لا علاقة لها بالنظام العام ولا بالمشترك والمجمع عليه، بان تتابعه هو النيابة العامة بناء على شكاية خصمه، بينما نفس النيابة العامة تحفظ شكايته ضد نفس خصمه وتمنعه من الولوج الى العدالة، (مراجع الملف مةجودة).
ان حفظ الشكاية في النزاعات الفردية يشكل مانعا من الولوج للعدالة الذي هو واجب على الدولة اتجاه المواطن ، وهو حق لهذا الأخير طبقا للفصل 120 من الدستور ، كما ان حفظ الشكاية وهو حلول محل قضاء الحكم في الفصل في النزاعات بين أفراد في قضاياهم الخاصة المدنية منها او التجارية ، كما انه يؤدي الى خرق للفصل السادس من دليل حقوق الإنسانالخاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسانالذي يمنع التمييز بين المواطنين في تطبيق القانون بينهم، كما انه يعتبر خرقا لما ورد في الرسالة الملكية المشار اليها أعلاه.
غير ان هذا لا يعني ان النيابة العامة هي بمثابة إدارة بريد تنقل بشكل اوتوماتيكي كل الشكايات التي تتوصل بها الى الضاء الجالس، بل انها تمارسمهمتها في البحث والتحقق من وجود حد أدنى من الحجج التي تبرر المتابعة التي ستقررها، وهذا من صلب اختصاصها غير المنازع فيه، العمل القضائي والتحديات الراهنية اكيد ان القاضي هو ابن بيئته وابن مجتمعه، وانهإذا كان منعهمن الانتماء الى الأحزاب السياسية مبررا بوجوب احترامه لمبدأ الحياد والاستقلال، فإنه لا شيء يمنعه من متابعة سياسة بلاده الداخلية والخارجية، ويتأثر بها ايجاب وسلبا ، هو في هذه الحالة لا يمس باستقلاله وهو الامر الذي لا مناقشة فيهولا حوله.
وما وقع أخيرا من التشكيك في بعض الاحكام القضائية الصادرة في المغرب خارجيا، وما انتهت له اللجنة المكلفة بإنجاز التقرير حول النموذج التنموي داخليا ، من شأنه ان يحفزنا جميعا لرفع التحدي عن طريق الاستمرار في نهج تطبيق القانون والقانون وحده بالنص على الفصول التي يعتمدها القاضي في إصداره لحكمه بكل وضوح في صلب الحكم، لنتمكن من الرد على كل التحديات التي قد تزداد مستقبلا.
ان بعض الاحكام القضائية التي قد تحيد عن تطبيق القانون تحت حجة السلطة التقديرية لا يمكن باي حال من الأحوال أن تخفي عن انظارنا الاحكام القضائية التي تقدم النموذج الحقيقي في التطبيق العادل للقانون للقضاء المغربي، بما تتضمنه من تحليل وتعليل مستند الى نص القانون، والتي تساهم في تطوير الاجتهادالقضائي وتنميه وتحمي به الحقوق الحريات والاعراض والأموال، وهي احكام متعددة من مختلف المحاكم.
هذه الاحكام القضائية هي التي تعطي السند القوي لبلادنا لنفتخر بها بين باقي الدول ، وتواجه بها خصومنا بكوننا بلد الحق والقانوننظريا وفعليا، ودولة تحترم وتطبق فيها المحاكمة العادلة سواء في المجال المدني او الجنائي.
لقد تألمت كثيرا عندما احضر لي موكل حكما صدر في المغرب وتمت المصادقة عليه وفق الاتفاقيات المبرمة مع الدول المعنية، وعندما أراد تنفيذه في بلد أوروبي رفض هذا البلد تنفيذ ذلك الحكم بدعوى ان هذا البلد الأخير لا يتق في الاحكام القضائية المغربية،
فالتحديات التي تواجه العمل القضائي ترفع وتزول بالضرورة عن طريق تسبيب وتعليل الاحكامبنص القانونبذكر فصوله في صلب الحكم ومنطوقه ،واصدارها وفقا له، علما ان بلدنا تملك ترسانة قانونية لا تسمح بالتهرب من تطبيق القانون ضد كل الاعمال الاجرامية كيف ما كان مرتكبها او الظروف التي ارتكبها فيها او الغرض من ارتكابها ،
ملاحظة:الإشارة الى حالة الطفلة التي تعرضت للاعتداء لم تذكر في الندوة لأنها هي واقعة
لاحقة ، والسلام،

عبد الكبير طبيح .

: الاحد 16 أبريل 2023 . 25 رمضان 1444.

التعليقات مغلقة.

‫شاهد أيضًا‬

البراءة التامة من كل ما نسب إلينا * مصطفى المتوكل الساحلي

الحمد لله والشكر الكبير لهيئة الدفاع … البراءة التامة من كل ما نسب إلينا أشارككم وأح…