عاشت مدينة كلميم صبيحة يوم السبت 3 نونبر لحظة انسانية ونضالية ووطنية عالية، في مقر المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير، وذلك بتكريم الأخ كمال سليم الذي استعرضت الكلمات مسيرته النضالية، في قلب المقاومة وجيش التحرير، منذ انخراطه في خلية حزب الاستقلال، ومرافقته لكبار الوطنيين، وصولا إلى المشاركة الفعلية في حمل السلاح وخوض حرب التحرير في الجنوب، علاوة على مسؤولياته الوطنية في خضم النضال من أجل الديموقراطية ضمن صفوف الاتحاد الوطني (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية).
وقد تولت مؤسسة المقاوم والوطني الكبير عبيد الزهري، للدراسات والأبحاث والأعمال الاجتماعية احتضان هذا الحدث الرفيع.
الحضور الذي تابع أطوار التكريم تميز بتوافد جيل المقاومين المؤسسين ممن عاشروا المحتفى به، ومنهم قادة وجنود في جيش التحرير وأعضاء المقاومة، كما حضرتها نخبة من الإقليم، إضافة إلى وجوه وطنية متميزة أكاديميا ونضاليا، كما حضره مناضلون اتحاديون وقياديين حاليين وسابقين أمثال الأخ عبد الله العروجي وعبد الرحمان أوسرد، وحضرة عميد كلية تطوان عبد المالك السعدي مصطفي الغاشي، ومندوب عن اتحاد قبائل الثكنة واد نون، وفي كلمته باسم المؤسسة نوه بنجلون المختار بأهمية الحدث وأهمية مساهمة الأخ سليم في الحدث الوطني الكبير الذي نحتفل به ممثلا في المسيرة الخضراء المظفرة. ودعا في هذا السياق إلى كتابة التاريخ كتابة منصفه للمقاومين والعاملين في الحقل الوطني بواد نون، كما حث على إطلاق عملية تجسير قوية بين الأجيال مبنية على قيم المواطنة، ومنها التاريخ المشرق المحتفى به كمال سليم.
ومن جهته دعا المندوب الجهوي للمقاومة وجيش التحرير، لحبيب الكرف، إلى استحضار التاريخ المليء بالجهاد في هذه المنطقة وفي غيرها من مناطق الوطن.
وعن سيرة الأخ كمال سليم الكاتب الاقليمي للأقاليم الجنوبية سابقا وعضو اللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قال المندوب الجهوي إنه نشأ وتربى في وسط عائلي عرف بالوطنية والاعتزاز بالانتماء الوطني، امتهن منذ طفولته التجارة. ويعد من الرواد الأوائل الذين انخرطوا في رياض العمل الوطني مبكرا وكانت له اتصالات برموز الحركة الوطنية والمقاومة، أمثال المرحومين حسن صفي الدين وعبد اللطيف بن جلون وغيرهما.
انضم في الفترة من سنة 1956 إلى سنة 1960 إلى صفوف جيش التحرير بالجنوب المغربي برتبة قائد المائة بالمقاطعة التاسعة التي ترأسها المقاوم صالح بنعسو، حيث كان منتدبا من طرف القيادة العليا لجيش التحرير بمراكز تافودارت والساقية الحمراء ووادي الذهب مكلفا بمهمة، كما شارك في عدة معارك بالصحراء المغربية وبمنطقة آيت باعمران.
شارك في عدة معارك ضارية أبلى فيها البلاء الحسن بوادي درعة السفلى والصحراء كمعركة أم العشار الأولى مركالة أم العشار الثانية إيشت الدشيرة وادي الصفا السويحات و الزمول الشرقية، ومعارك الكبلة إضافة إلى معارك آيت بعمران. ولم يقتصر دوره في المشاركة في أعمال الجهاد في خلايا وسرايا جيش التحرير، بل تعداه إلى المساهمة من ماله الخاص.
وبعد استرجاع إقليم طرفاية سنة 1958 وإقليم سيدي أفنى سنة 1969، شارك في المسيرة الخضراء المظفرة التي أبدعها الملك الراحل الحسن الثاني، والتي تعتبر حدثا جيليا ومنعطفا حاسما في مسلسل استكمال الوحدة الترابية للمملكة.
ووفاء واعترافا بخدماته المبرورة وأياديه البيضاء في سبيل الدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، حظي بشرف الإنعام المولوي السامي عليه بوسام المكافأة الوطنية من درجة قائد من طرف جلالة الملك محمد السادس سنة 2005 بمناسبة تخليد الذكرى 47 للزيارة الملكية التاريخية لمحاميد الغزلان والذكرى 47 لمعركة الدشيرة.
كما حظي بشرف التكريم من لدن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير رفقة صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمدينة كلميم سنة 2004 بمناسبة تخليد الذكرى 48 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي˜.
ومن جهته ألقى عبد الحميد جماهري مدير التحرير والنشر لجريدة «الاتحاد الاشتراكي وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية شهادة عن المناضل كمال سليم، استعاد فيها مناقب المحتفي به ومساره الفريد في النضال الوطني وفي النضال الديموقراطي..
ومما جاء فيها:
تتضاعف سعادتي وأنا في كلميم، حاضنة الشهامة، بمناسبة تكريم رجل شهم وفي رحاب مؤسسة قام عمادها على سيرة مقاوم ومناضل“ اختارته بلاده واقليمه راية، تضاعفت سعادتي . كما تضاعفت الحياة في سيرة أخي.. كمال سليم، المقاتل، المحارب، السياسي، المسؤول الحزبي، المناضل الطبقي.
هنا، لا يعد المكان عتبة للجغرافيا التي سيرفعها المغاربة إلى درجة المقدس فقط، هنا أيضا شرفة للتاريخ على أهلنا الكرام بماضيهم وحاضرهم، ومايعدونه من مستقبل لرفعه البلاد.
هنا في هذه الأرض الطيبة رجال صدقوا، ثم صدقوا، في السراء والضراء وحين البأس، ذلك لأنهم حراس هذه البلاد وصناع مجدها، وأحد من هؤلاء أخونا المقاتل والمناضل السياسي والديمقراطي الوطني كمال سليم. مناضل عبر القرن العشرين، برأس مرفوعة وقلب أخضر بالايمان والتفاؤل. لا أبالغ إذا قلت بتواضع الجيل الذي تربى على يده ويد أمثاله من رجال المقاومة وجيش التحرير، إن اسمه على غرار الصادقين، تخضر بنطقة الروح، وتزداد صلابتها ويتجدد النبض حين يهدد القلب بالتلاشي، لسبب أو بلا سبب، تقول سيرته العائلية، إنه تربى وترعرع في وسط عائلي مفعم بالوطنية والاعتزاز بالانتماء الكفاحي للوطن، أقول انتماء كفاحيا لأنه لم يستكن ولم يركن إلى انتماء موروث، فقط، بل فضل دوما الامتحانات الكبرى التي يختارها الأجلاء من أبناء الوطن. بوعي ونكران ذات اختار أولا أن يكون ثوريا، في السن الثورية، كأنما يقول لنا: «من لم يصبح ثوريا في 18 من عمره، لن يكون ثوريا أبدا˜». درس سيتكرر باستمرار. كانت الروح الثورية تعني الدفاع عن حرية الوطن ومصاحبة كبار رواد الوطنية أمثال المرحوم حسن صفي الدين (حسن لعرج) والدكتور بنجلون رفيق عبد الرحمان اليوسفي.
كمال سليم، واحد ممن رصع اسمهم لوحة الشرف الوطني. قادة مساره من كلميم إلى الدار البيضاء، حيث كان على موعد مع التاريخ، ومع الأفكار التحررية، كما يحب أن يردد، والتي تلقاها كذلك الجيل الذهبي الذي وعده التاريخ بالخلود والوطن بالامتنان ضمن خلية حزب الاستقلال، الحاضنة الوطنية العالية.. وككل أفراد جيله، ممن جبلوا على طلب العز والعلا، لم تكن لحظة الاستقلال لحظة نهاية مشواره الوطني، بل عتبة أخرى في المكان والزمان التحرري، حيث رحل مع جيش التحرير إلى جنوب الروح
هنا في كلميم، تم تشريفه برتبة قائد بالمقاطعة 9 التي ترأسها المقاوم صالح بنعسو المنتدب وقتها من القيادة العليا لجيش التحرير بمراكز فودارت والساقية الحمراء ووادي الذهب..
وككل شرفاء الصحراء وكلميم يتعفف في الحديث عن بطولات هو أهل لها، وما كان لمغرب الوحدة أن يكون بدونها، وككل هؤلاء الشرفاء يجلل الروح بصفاء البساطة، وقلما يحدثنا عن معارك الصحراء وآيت باعمران التي كان جنديا فيها في وادي درعة السفلى كأم العشار أولا، وكان في ذلك الجندي والممول والمساهم المادي، ولعله كان شاهدا على تحرير مناطق كاملة من الصحراء.
وسط العواصف التي هزت الوطن بعد عملية إيكوفيون الشهيرة ضد جيش التحرير، بتحالف فرنسي إسباني بغيض، وما تفرع عنه من معادلات وصراعات هزت النفوس والمؤسسات، وساهم في انفجار التناقضات بين جيش تحرير قوي، ودولة في كامل شرعيتها الوطنية ومنظمات نقابية ضاربة، انحاز المناضل المقاوم، ضمن الكثير من أعضاء جيش التحرير إلى الحزب الوليد، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في 25 يناير 1959.
وتخلد الصور ميلاد هذا التنظيم المتحمس لقاء أجيال من الوطنيين وجيش التحرير والعلماء: مولاي العربي العلوي، “ المهدي بنبركة، عبد الرحمان اليوسفي، الفقيه البصري وغيرهم، إلى هذه المجرة اللامعة في علياء الوطنية. انحاز كمال سليم حبا وطواعية.
هنا، كانت الإقامة الحادة والشاقة (الشاقة والشيقة كما يقول هو) بين التفاحة والسكين. بين صراع المؤسسات والمقاطعات والاعتقالات والتعسفات، كانت الأمواج تدفع أجيال المناضلين الثوريين إلى البحث عن مرفأ أمان لبلادهم. وفي سيرته الفريدة تتلألأ أسماء هو من يصقلها بالتبجيل بالحكي عن حضور مضيء، كما في لقاء بالدار البيضاء 1961 رفقة الفقيد الفقيه البصري، الحبيب الفرقاني صاحب «Œنجوم في يدي».
˜ في سيرة الأخ كمال سليم، جزء من سيرة كبار الاتحاد والوطنية معه. يتذكر التجمع الجماهري الكبير بكلميمة برئاسة عبد الرحيم بوعبيد في حملة مقاطعة الدستور أو في حملة الانتخابات الأولى 1963. نكشف أن حول حياته تلاقت مسارات متلاطمة. العناد الوطني من أجل دولة ديمقراطية والعناد الديمقراطي من أجل وطن للجميع. مسار متميز فريد جوهره الوطن، ولهذا لم يتردد في المشاركة في المسيرة الخضراء، عندما أذن الملك الراحل في المغاربة بالحج إلى أرضهم و“ ترابهم في الصحراء.
مر الأخ كمال سليم بالمعتقلات مرات عديدة. لكن من يقرأ سيرته أو يكاد يخيل إليه أنه يتحدث عنها كما لو كانت معملا لصقل الروح وشحن البطارية النضالية من جديد، ملتقيات لإعادة تجديد الهدف وتجويد القدرة على التسديد للوصول إلى المبتغى.
أعترف بأن السيرة أثرى وأغنى من أن تحيط بها اللغة وأنها تفيض عن اللغة والذاكرة عندما تكون بمثل الخصوبة النضالية العارمة التي ميزت حياة أخينا. سيرة فيها لحظات الأوج الوطني، كحالة رفع العلم بالكويرة.. وقتها كان من يرفع العلم في الصحراء كمن يرفع قلب الأمة جمعاء فوق التلة المباركة.
ولعل جلالة الملك محمد السادس قد ناب عن هذه الأمة بتقديم الامتنان لأخينا كمال سليم سنة 2005 وسام المكافأة الوطنية من درجة قائد.
وقال حميد جماهري في خلاصاته موجها كلامه لكمال سليم: «نحن مدينون لكم، لأخلاقكم، لسمو وطنيتكم، لنزاهتكم، لتجردكم، لتحريركم للنضال من الغايات المادية الوضيعة. مدينون لكم كما هو الوطن مدين لكم. في سيرة واحد منكم، واحد مثل كمال سليم، فيه أمة اجتمعت وروح تسع أجيالا بكاملها، حياة عريضة تملأ الأفق كما ملأت الماضي، تملأ جهات المغرب كلها.
هذا ليس إطراء لغويا اقتضته المناسبة، هذه ضرورة أخلاقية وقيمية سياسية ومدنية، أصبحت البلاد في حاجة إليها، لكي تجدد روحها، وتدخل مرحلة جديدة من الجدية ونكران الذات. إن ما نبحث عنه اليوم، قد جسدتموه البارحة، ببساطة وتلقائية لأنه جوهركم ومعدنكم.
لم تكونوا معجزة، كنتم أناس فضيلة وأخلاق ووطنية فقط. لم تكن أرواحكم مصباح علاء الدين، تحكونه لكي تنفتح أبواب الغيب.“ بل كنتم من صخر البلاد ومن رمال البلاد ومن تراب وماء البلاد، عجنتهم بطولتكم وشرفهم وتضحياتكم فأصبحت زكية في كنهها أجوبة على كل الصعاب والشدائد.
فيا جيل آبائنا العظام، يا جيلا ذاق المرارة لكنه أورثنا عسل الوطن، ويا جيل آبائنا العظام الذي خبر الشدائد والعسر لكنه فتح لنا الطريق واليسر. يا جيل آبائنا العظام شكرا لأنكم حافظتم على المعدن الأصيل الصقيل البهي لبلادنا“ والروح المتبصرة الساكنة في جذوره. أنتم الذين أضأتم وعينا ونورتم أعماقنا».
وقد توالت تدخلات الحضور من الشهود على مساره الفريد، ومنهم المناضل وعضو المكتب السياسي سابقا الأخ العروجي، الذي اعتبر أن حضور المقاومين بذلك الحشد المهم شهادة كافية، وأن الأخ سليم رجل المواقف والعهود، وهو في لحظة نضال مستمرة.
ومن جهته، أرسل محمد لومة مداخلته التي قرأها بالنيابة نجل الأخ سليم، ومما جاء فيها: Œ
«حينما التحقتُ بكلميم كمعلم ابتدائي في نهاية عام 1965، وحصل لي شرف الالتقاء بالأخ كمال سليم، كانت هذه المنطقة لاتزال تعيش أجواء متوترة من القمع والمتابعات في أعقاب نجاح القوى الرجعية في تفكيك وحدات جيش التحرير، وإدماجها عنوة في صفوف قوات الأمن العمومي على اختلافها“.. وقبل ذلك كانت كلميم بؤرة مركزية للمكائد والمؤامرات الهادفة لتفكيك وحدات جيش التحرير، لاسيما بعد نجاحها في تحرير معظم المناطق الصحراوية ووصولها لبلدة في (أطار) في التراب الموريطاني
مما دفع بفرنسا وإسبانيا إلى تنظيم عملية عسكرية واسعة ضد جيش التحرير اسموها بـ (إكوافيون)، وذلك في مطلع عام 1958، أسفرت عن إلحاق خسائرفادحة ضد هذا الجيش الشعبي الذي كان يضم آلاف المجاهدين الصحراويين وأبناء منطقة سوس، بل وأبناء كافة المناطق المغربية.
لقد كان العمل الحزبي في هذه المنطقة بعد حل هذا الجيش محفوفا بالمخاطر، بحيث كان عدد المخبرين لصالح البوليس والداخلية للجنرال محمد أوفقير يفوق عدد مناضلينا العاملين في الميدان، وكانت أبسط وشاية وضيعة وكاذبة بحق أي مناضل كفيلة بإدخاله في دوامة من الاعتقال والتضييق والتنكيل لا حدود لها. وبالفعل، ماكدت أنجح في الفرار من كلميم في نهاية عام 1968، حتى تعرض الأخ كمال سليم بدوره للاعتقال، حيث أمضى فترة زمنية، ولعدة أشهر في معتقلات إقليم أكادير، في ظروف اتسمت بالتعنيف الشديد بهدف تركيعه وإذلاله.
لقد الأخ كمال سليم بتقديري نموذجا استثنائيا في الإخلاص بما يؤمن به من أفكار وتوجهات، وفي الثبات الراسخ على المبادئ والتعالي على المساومات ومحاولات الإخضاع والتركيع والتدجين المبذولة من خصوم الحرية والتقدم في المنطقة».
إلى ذلك، تحدث عبد الرحمان اوسرد بلغة جياشة طبعتها العاطفة التي ربطته بالمحتفى به، واعتبره الأب و المربي الذي Œلا مثيل للطينة التي جبل منها˜. ورجل ما هزته العواصف ولا رعود المغرب قديما وحديثا، ووجه نداء للعمل من أجل تكريمه تكريما وطنيا يليق به، ويليق بجيله من الرواد..
وفي السياق ذاته، تحدث ممثل اتحاد قبائل التكنا. كما تحدثت الأخت عزيزة اجواليل، عضو المجلس الوطني للاتحاد وعضو رابطة كاتبات المغرب.
وفي الختام، شكر كمال سليم كل الذين حضروا تكريمه والذي ادلوا بشهاداتهم، كما شكر المؤسسة والمندوبية، وترحم على شهداء الزلزال وشهداء غزة الآن، وختم كلمته بـ»عاش المغرب الموحد والقوي بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره لله».
الكاتب : كلميم: مراسلة خاصة
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
بتاريخ : 06/نونبر/2023