عندما رفض نابليون بونابرت قروضًا من آل روتشيلد وأسس عوضُا عنها بنك فرنسا فقد صنع له أعداء انتقاميين. وحينما عاد من منفاه سنة1815 أُجبر نابليون تحت وطأة الظروف على الاقتراض للدفاع عن فرنسا من جيش الدوق ويلينغتون البريطاني وحلفائه الأوربيين.
قدم ناثان روتشيلد من لندن قرضًا كبيرا لنابليون في الوقت الذي قام فيه بمساعدة بعض أعضاء آل روتشيلد بتهريب كميات ذهب كبيرة من فرنسا إلى ويلينغتون في بريطانيا، وبإنتهاء معركة «ووترلو» في يونيو 1815 بانتصار قوات ويلينغتون على نابليون، أسرع ناثان برسله حاملين النصر إلى انجلترا قبل وصول رسل ويلينغتون بيوم كامل. وحينها توجهت الأعين صوب بورصة لندن وقد ظهر ناثان روتشيلد حزينا مكتئبا وهو يأمر بعمليات بيع جماعي لأسهمه في البورصة. ظن الجميع أن انجلترا قد هُزمت في الحرب فانتقلت حمى البيع للجميع ليبدأ عملاء ناثان روتشيلد في تنفيذ عمليات شراء قوية تبتلع أغلب ديون بريطانيا مقابل حصة صغيرة من قيمتها الحقيقية. وفيما بعد بكثير علق ناثان روتشيلد قائلًا : لقد كان أفضل فعل قمت به في حياتي
تأسس أول بنك لأمريكا بعد وقت قريب من تأسيس بنك إنجلترا، برأس مال مشترك بين الحكومة الفيدرالية(20%) ومستثمرين وأجانب(80%)، وبذلك تشكلت أول شراكة بين الحكومة الأمريكية ومصالح البنك التي سيطر عليها بيت روتشيلد. ويقول المؤلف جوستافوس مائيرز: ان سجلات القانون أكدت ان آل روتشيلد كانوا القوة الأساسية في البنك القديم لأمريكا
تسبب البنك في حالة تضخم للاقتصاد الأمريكي بعد أن خلقوا أوراق الاحتياطي الجزئي البنكية مما أدى إلى ازدهار تجار المال في الـ وول ستريت ونتيجة لحرب 1812 بين أمريكا وانجلترا تم تجديد وثيقة عمل البنك لمدة أخرى مماثلة سنة 1816 لينتهي العمل بها نهائيًا سنة 1836 بعد أن وقف الرئيس الأمريكي آندرو جاكسون ضد خطوات تجديده. فقد رأى ان البنك يرسخ لإدارة أرستقراطية ثرية تهدد حريات البلاد، وقام بسحب التمويلات الحكومية من افواه مصاصي الدماء بعد محاولة اغتياله، ورد عليه رئيس البنك الثاني «نيكولاس بيدل» بتقليص حجم الديون محليًا وهو ما أدى إلى تدهور اقتصادي رهيب. وبحسب الكاتب يوستيس مولينز فأن بيدل كان عميلا ليعقوب روتشيلد في باريس
ريتشارد لورنس الذي دبر أول محاولة إغتيال في أمريكا ضد الرئيس جاكسون أقر أنه على اتصال مع القوى في أوروبا، بينما صرح جاكسون وهو على فراش الموت أن افضل شيء فعله أثناء حكمه أنه قضى على هذا البنك اللعين.
استمرت محاولات بارونات تجارة المال لخلق بنك مركزي جديد تبوء بالفشل إلى أن تم تأسيس نظام الاحتياطي الفيدرالي سنة 1913بعد مناورة بيت روتشيلد مع آل مورغان لبيع صكوك الذهب الأمريكي في أوربا سنة 1895
الرئيس الأمريكي «وودوورد ويلسون» تم تجهيزه جيدًا فقد اُستبقى في منصبه كرئيس لجامعة برينستون من قبل مدراء بنك ناشيونال سيتي بنك في نيويورك التابع لـ روكفلور. ويقول الكاتب «فيرديناند لوندبرغ»: وتقريبا لمدة 20 عاما تحرك ويلسون في ظل شارع المال «وول ستريت»، وتابع : وكان ويلسون الذي قد مدح جيه بي مورغان سنة 1906 قد عُين كحاكم على ولاية نيوجيرسي وصار الآن اختيار المصرفيين لمنصب الرئيس. تم تأمين انتخاب ويلسون من قبل الرجل الموثوق به من عائلات روتشيلد وروكفلور ومورغان، الكولونيل «إدوارد هاوس» هذا الشخص الذي ظل ملازما للرئيس ويلسون طيلة الوقت.
جاءت استطلاعات الرأي غير مبشرة فلم يستطع الديمقراطي ويلسون التغلب على منافسه الجمهوري تافت. فكانت المناورة الناجحة بإقناع الجمهوري روزفيلت بخوض الانتخابات كمرشح ثالث بعد أن تم تقديم مساهمات ضخمة لحزبه التقدمي من قبل مورغان.
نجح روزفيلت في تفتيت الأصوات لصالح ويلسون الذي فاز بالانتخابات بهامش ضيق على منافسه الأصلي تافت، وقام بالتصديق على قانون الاحتياطي الفيدرالي في 23 دجمبر 1916 بحيلة ذكية مرت على الكونجرس رغم مخالفته للدستور .
نظام الاحتياطي الفيدرالي اليوم مؤلف من 12 مصرفًا كاحتياطي فيدرالي يخدم كل منها قسمًا من أمريكا، لكنه يُحكم ويشرف عليه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وتدار هذه البنوك بمجلس من الحكام يعينهم الرئيس الأمريكي بعد مصادقة مجلس الشيوخ عليهم.
يتم استخدام هذا البنك المركزى لخلق فترات متتالية من التضخم والانكماش في حجم العملة المتداولة لإحكام السيطرة على شارع المال في نيويورك وعلى اقتصادات الدول وقد وضعت سياساته بدقة وعناية من قبل المصرفيين العالميين وبذلك تحقق ما حذر منه ليندبرغ عضو الكونجرس الأمريكي سنة 1913 ان نظام الاحتياطي الفيدرالي لسوف يؤسس أضخم اتحاد مالي في الأرض، وبتصديق الرئيس على هذا القانون فأن الحكومة الخفية بقوة المال سوف تصبح شرعية.
نظام الاحتياطي الفيدرالي ليس جزءًا من الحكومة الأمريكية بل هو منظمة مملوكة من قبل البنوك الأعضاء المملوكة من قبل مساهمين، ولكن من يكون هؤلاء المساهمون؟
يوستيس مولينز في كتابه «أسرار الاحتياطي الفيدرالي»، الصادر سنة 1983 كتب يقول: قليل من العائلات ذات النسب بالدم أو بالزواج أو بمصالح العمل لا تزال تسيطر على كافة مصارف نيويورك التي بدورها تمتلك الأسهم المسيطرة على نظام الاحتياطي الفيدرالي من خلال سيطرتها على فرع نيويورك الذى بدورة يُسيطر على باقي الفروع الـ 11 لبنوك النظام الفيدرالي. أبرز مولينز في كتابه جداول ورسوم بيانية تصل نظام الاحتياطي الفيدرالي وبنوكه الأعضاء، بعائلات روكفلور ومورغان وروتشيلد  واربربرغ وغيرهم.
شرع الرئيس ويلسون لقوانين الضريبة التصاعدية على الدخل، وقانون القرض الزراعي الذي خلق 12 بنكًا للمزارعين، ومجلس التجارة الفيدرالي لتنظيم الأعمال، بجانب نظام الاحتياطي الفيدرالي الذي لم يحقق شيئًا من أهدافه المعلنة وتحكم في فترات التضخم والانحسار المالي. ففى سنة 1972 قام الرئيس نيكسون بتخفيض قيمة الدولار بعد ان رفض الاوربيون قبوله. وبحسب الموسوعة البريطانية منذ سنة 1976 كان لأمريكا ميزان تجاري سلبي وللمرة الأولى في تاريخها سنة 1985 تجاوزت ديون الأجانب، الديون المستحقة على الأجانب داخل للولايات المتحدة الأمريكية.
سنة 2011 أصبحت واشنطن عاصمة الديون الكبرى، فقد فاق الدين العام حاجز الـ 14.750 تريليون دولار، ما يمثل نسبة 99.4% من الناتج المحلي الإجمالي، ولم تفلح مساعي أوباما في خروج الإدارة الأمريكية من النفق المظلم، فالدين العام قد ارتفع مجددًا بنهاية سنة 2014 إلى 17.824 تريليون دولار بما يمثل نسبة 102.98% من الناتج المحلي، وظل نزيف إجمالي الدين العام يلاحقه مع نهاية سنة 2015 ليصل إلى 18.8 تريليون دولار، الى أن وصل إلى 22.4 تريليون دولار نهاية 2016.
إذن هل وصول رجل المال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بمثابة صفقة تُعيد صياغة سياسات وودوورد ويلسون لانقاذ بيوت روتشيلد ومورغان وروكفلر؟ أم سيسير ترامب على خطى آندرو جاكسون في مواجهة نظام الاحتياطي الفيدرالي وريث البنك القديم فيتم اغتياله؟
الخميس 15 فبراير 2018./29 جمادى الاولى 1439.هج

‫شاهد أيضًا‬

قراءة في مشروع قانون المالية لسنة 2021 * بقلم : طارق المالكي

يأتي مشروع قانون المالية لسنة 2021 في سياق عام دولي ووطني، يتميز بالصعوبة والضغوطات التي ت…