المصطلح أبستمولوجيّاً (معرفيّاً):

     قبل الدخول في تعريف “المصطلح” ودلالاته اللغويّة والمجازيّة, ومجالات نشاطه النظريّة والعمليّة ,لا بد لنا هنا من الوقوف عند دلالاته المعرفيّة. “فالمصطلح” ليس “مفردة” لغويّة عابرة نلقيها جزافاً في متن النص الذي نشتغل عليه, أدبيّاً كان أو فنيّاً أو فلسفيّاً أو دينيّا… أو غير ذلك من العلوم التي نتداولها, على اعتبار أن لكل علم من العلوم التي نتداولها له قاموسه “المصطلحي” بالضرورة. فـ “المصطلح” في الحقيقة له دلالاته المعرفيّة والوظيفيّة داخل بنية النص, أي نص من النصوص التي جئنا عليها أعلاه. (قال ابن حزم الأندلسي:” لا بد لأهل كل علم و أهل كل صناعة من ألفاظ يختصون بها للتعبير عن مراداتهم و ليختصروا بها معاني كثيرة.).(1). ففي المصطلح تتحدد توجهات النص الذي نتداول الحديث عنه, أو البحث فيه وأهدافه, مثلما تتحدد مساراته السرديّة والمعرفيّة, فعلى سلطة “المصطلح الواحد وبنيته المعرفيّة قد يتحدد السياق العام للنص المتداول أو الحديث حوله أو عنه بالكامل. فعندما نطرح مثلاً مصطلح “الأركيلوجيا” وهو دراسة علميّة لمخلّفات الحضارة الإنسانيّة الماضية. فهذا المصطلح قابل ان يدخل عالم الأدب أو الفن أو الفلسفة أو الدين أو أي قضية من قضايا الحضارة الإنسانيّة لأي شعب من الشعوب. فعندما نريد أن ندرس تاريخ فن القصة القصيرة في سورية مثلاً, فسنعتمد “مصطلح الأركيلوجيا كمصطلح رئيس أو مصطلحاً أساس في دراستنا هذه, وكذا الحال عند دراستنا لتاريخ الفن أو الفلسفة أو الدين وغيرها عند أي مجتمع من المجتمعات أو حضارة من الحضارات, “فمصطلح الأركيلوجيا” سيحدد لنا بالضرورة مسار تتبعنا للقضية التي نشتغل عليها, وبالتالي سيشكل هذا المصطلح بالضرورة موقفاً منهجيّا على اعتباره يحدد لنا مسار عملنا, وبالتالي إبعادنا عن الخلط والتداخل المجانيّ بين العلم الذي نشتغل عليه وبقية العلوم. وهذا الموقف المنهجي نجده بكل وضوح مثلاً في مصطلح ” الفقه” أو “علم الكلام” أو الفن التشكيلي” .. الخ. فكل مصطلح من هذه المصطلحات يشتغل على علم محدد نستنتج من خلاله طبيعة العلم المراد من هذا ” المصطلح الأساس” دون أن نغفل بأن كل مصطلح من هذه المصطلحات الرئيسة أو الأساسيّة يرافقها مصطلحات ثانويّة كثيرة تكمل هذا المصطلح وتغنيه. فعندما نتداول مصطلح ” الفلسفة المثاليّة” مثلاً, فسيرافق هذا المصطلح مصطلحات متعددة من هذه الفلسفة, كالفلسفة الوجوديّة والحدسيّة والمثاليّة الذاتيّة وكذلك الموضوعيّة وغيرها. وختاماً نقول في هذا الاتجاه كثيراً ما يضطر الباحث أن ينحت مصطلحاً محدداً للموضوع الذي يشتغل عليه, وهذا أمر ليس حديثاً بل قديما قدم الاشتغال على المعرفة. (قال قدامة بن جعفر: ” و مع ما قدمته فإني لما كنت آخذا في استنباط معنى لم يسبق إليه من يضع لمعانيه و فنونه المستنبطة أسماء تدل عليها, احتجت أن أضع لما يظهر من ذلك أسماء اخترعها.). (2).

  المفهوم اللغوي للمصطلح:

      لفظ “مصطلح” مصدر ميمي من الفعل المزيد “اصطلح” الذي مجرده “صلح”. وقد استُعمل الفعل الثلاثي ” صلَح” في المعاجم اللغوية بمعان واشتقاقات تكاد تكون متقاربة.

     ففي الصيغة الاشتقاقيّة ذاتها أورد “ابن منظور” أن:» الصالح: ضد الفساد … والصلح: السلم، وقد اصطلحوا وصالحوا واصلحوا وتصالحوا وأصّالحوا مشدّدة الصاد، قلبوا التاء صادًا وأدغموها في  الصاد بمعنى واحد « صلح صالحاً.

     وجاء في المعجم الوسيط : اصطلح القوم أي زال ما بينهم من خلاف وعلى الأمر تعارفوا عليه واتفقوا… والاصطلاح: مصدر أصطلح … أي اتفاق طائفة على شيء. (3).

المصطلح مجازاً:

     المصطلح هو لفظ يطلق على مفهوم معين للدلالة عليه عن طريق الاصطلاح (الاتفاق) بين الجماعة اللغويّة على تلك الدلالة المرادة, والتي تربط بين اللفظ (الدال) والمفهوم (المدلول) لمناسبة بينهما. وأطلق المتخصصون في علم المصطلح تعريفا دقيقا له وهو: (الرمز اللغوي والمفهوم).

     بينما أطلق عليه «فيلبر» إنه عبارة عن بناء عقليّ فكريّ مشتق من شيء معين, فهو- بإيجاز – الصورة الذهنيّة لشيء معين موجود في العالم الداخليّ أو الخارجي, وأضاف: «لكي نبلغ هذا البناء العقلي – المفهوم – في اتصالاتنا يتم تعيين رمز له ليدل عليه». (4) .

تعريف المصطلح النقدي:

       يمكننا القول إذاً بالنسبة للمصطلح موضوع بحثنا, بأنه أداة من أدوات التفكير العلميّ، ووسيلة من وسائل التقدم العلميّ و الأدبيّ، و هو قبل ذلك لغة مشتركة، بها يتم التفاهم و التواصل بين الناس عامة، أو على الأقل بين طبقة أو فئة خاصة، في مجال محدد من مجالات المعرفة و نشاطات الحياة. وإذا لم يتوفر للعلم مصطلحه العلميّ الذي يعد مفتاحه، فقد هذا العلم مسوغه، و تعطلت وظيفته.

     المصطلح في الثقافة العربية:

     لم يكن ” المصطلح في كل دلالاته وأهدافه بعيداً في الحقيقة عن الثقافة العربيّة, لقد “عرف العرب مع عصر التدوين المصطلح، وخبروا خفاياه وجوانبه المختلفة، كما لمسوا أهميته وفوائده في بناء النهضة العلميّة التي سعوا إليها، ووقفوا على طرائق وضعه بما أفادوه من الترجمات عن اللغات الأخرى, أو ما نحته الأدباء والفلاسفة والفقهاء العرب من مصطلحات خاصة بهم. هذا وقد بلغت اللغة العربيّة قمة التطور والمرونة في التعبير عن كل المستجدات من النظريات العلميّة والآراء الفلسفيّة في العصور الوسطى وخاصة مع عصر الترجمة والانفتاح على الحضارات الأخرى، حتى  أصبحت الواسطة الكافية للتعبير عن كل مناحي الفكر العلميّ والتقنيّ في ذلك العصر, بل والجسر الذي عبرت عليه الثقافة العربيّة الإسلاميّة بكل مكوناتها ومصادرها إلى الغرب. يقول الجاحظ في البيان والتبيين : (و قد أفاد النقد الأدبيّ من هذا التلاقح الفكريّ مع الشعوب: كالفرس و اليونان والهند والرومان, حتى تسربت بعض هذه المصطلحات الفكريّة و الفلسفيّة إلى النقد العربي والأدب عامة، ويدل على ذلك تلك المصطلحات التي عُرفت في العلوم العقليّة، و النقليّة، و الدخيلة، جميعا. ويؤكد الجاحظ هذا بقوله: “هم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني. وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء، و هم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم، فصاروا بذلك سلفا لكل خلف و قدوة لكل تابع.). (5).

     وهكذا أشرع العلماء و النقاد و المفكرون العرب في وضع اصطلاحات نقديّة و بلاغيّة في الأدب وغيره من الفنون والعلوم في ذلك العصر. و لاحظوا اختلاف هذه المصطلحات بين عالم و آخر، فقال “ابن المعتز” مثالاً في مقدمة كتابه ” البديع” : ( و لعل بعض من قصر عن السبق إلى تأليف هذا الكتاب ستحدثه نفسه وتمنيه مشاركتنا في فضيلته فيسمى فناً من فنون البديع بغير ما سميناه). و عندما يأتي “قدامة بن جعفر” يعيد طرح المشكل من جديد، فيعزو لنفسه فضل الريادة في وضع بعض المصطلحات النقديّة والأدبيّة قائلاً: ( و لما كنت آخذاً في استنباط معنى لم يسبق إليه من يضع لمعانيه و فنونه المستنبطة أسماء تدل عليه احتجت أن أضع لما يظهر من ذلك أسماء اخترعتها). (6).

     نعم … مع انتشار الإسلام وبدء التدوين والاشتغال على المعرفة, بدأت الحاجة إلى ثقافة المفاهيم اللغويّة تظهر، و بدا من المهم العمل على إيجاد تحديدات دقيقة لما تعنيه ألفاظ المشتغلين بتلك العلوم، وهو ما دفع بعلماء المسلمين إلى وضع مصطلح “علوم الحديث” مثلاً الذي يختص بدرجات الحديث وأنواعه وطرق إسناده. وكذلك علوم اللغة وبديعها ونحوها.. وغير ذلك من علوم, وهكذا انتقلت عبر اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخرى، بزيادات زيدت. و شرائط شرطت, و لقد صار لكل جماعة تشتغل بعلم واحد ألفاظهم و مصطلحاتهم الخاصة بهم. و قد شرع أصحاب تلك العلوم والصناعات يحددون معاني ألفاظهم وحدودها ورسومها، و نشأت إثر ذلك حركة تأليف مصطلحيّ تمثلت في كتب خاصة باصطلاحات العلوم المختلفة، و منها:

– الحدود “لجابر بن حيان”  ت 200 هـ.

– مفاتيح العلوم لـ “محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي”  ت 387 هـ.

– رسالة الحدود، “لأبي حامد الغزالي”  ت 505 هـ.

– السامي في الأسامي. “محمد أبي الفضل الميداني النيسابوري”  531 هـ.

– التعريفات، “للشريف علي بن محمد الجرجاني”.  ت 816هـ.

– كشف اصطلاحات الفنون “للتهانوي”.  ت 1108هـ. (7).

تأثر الكتاب والأدباء والمفكرون العرب بالمصطلح الغربي:

     لا شك أن المسألة الثقافيّة والفكريّة في الحضارة العربيّة الإسلاميّة قد أصابها الكثير من الجمود والتكلس في عصر الانحطاط, حيث توقف الاجتهاد على مستوى العلوم الدينيّة وساد النقل على حساب العقل, كما أخذت تتعطل شيئاً فشيئاً بقية العلوم الأخرى ويتوقف العمل بالكثير منها, أو تتجه باتجاهات أخرى كعلوم الأدب وخاصة الشعر منه. ولكن مع حلول عصر النهضة الحديثة, التي أعقبت الحملة الفرنسيّة على مصر, بداية القرن التاسع عشر, بدأ الأدب العربي يخرج من دائرة جموده والضعف الذي عاشه خلال الحقب الماضية, فهذا الجمود والضعف اللذان يرجعان بمجملهما إلى المحسنات البديعيّة, وغيرها من وسائل التلاعب بالألفاظ والأحاجي والألغاز, ولذلك فقدت الألفاظ الشعريّة على سبيل المثال دلالاتها, فلم يعد شعراء هذا العصر يهتمون بدور الكلمة الشعريّة المعبرة والموحية والمؤثرة في الإحساس والوجدان, بل كان اهتمامهم منصب على أنواع البديع والتفنن فيه, فزينوا ألفاظهم وزخرفوا أشعارهم بالسجع والجناس ونحوهما, من فنون البديع, حتى كثرت المؤلفات فيه. فأطلق عليها البديعيات كبديعة “عز الدين الموصلي”, المتوفى 122هـ, و”صفى الدين الحلي”, المتوفى723هـ, و(“صالح الدين الصفدي”, المتوفى 711هـ, وغيرهم كثيرون, (8). فمع عصر النهضة في تاريخنا الحديث اتجه الأدب والنقد الحديثين اتجاهات شعريّة متنوعة, حددت مذاهب الشعر الحديث, ورصدت اتجاهاته, بأن أطلق عليها النقاد المحدثين (المدارس الأدبيّة الحديثة). وكان لهذه الاتجاهات الأثر الكبير في بلورة تلك المدارس, التي أسهمت في رد الشعر إلى طبيعته, وعملت على تحديد, مناهجه ومقاييسه النقديّة الحديثة, مطبقة بعض نظرياته بما يوافق طبيعة الأدب العربي, وقيمه وتقاليده. هذا وتعد مدرسة “الأحياء والبعث”, أولى المدارس ظهوراً, والتي يعزى إليها هذا التجديد والتطور. (9). وبالتالي فالقارئ للأدب العربي الحديث, يلحظ تحولات أدبيّة هائلة في جميع جوانب الحياة الأدبيّة والفكريّة والثقافيّة, نتيجة الوعي الحضاريّ والثقافيّ لدى كثير من أدباء ونقاد هذا العصر, حين أنكبوا على دراسة التراث بشكل واع وجرئ, فأظهروا ما فيه من سلبيات وايجابيات, وحاولوا تخليصه من شوائبه التي أدت إلى ضعفه, ودعوا إلى التخلي عن الوجه المسيء للأدب, وإحلال الوجه المشرق والمضيء له, وجعله جسر عبور بينه وبين الحضارة الإنسانيّة. ومن أوائل من نادى بهذا, (محمود سامي البارودي، وعباس محمود العقاد, وعبد الرحمن شكري, والمازني ، وطه حسين , وأحمد شوقي), وغيرهم ممن سار على نهجهم وخطا خطاهم, مكونين مدارس أدبيّة جديدة في الأدب والنقد , تأخذ بمقاييس ومصطلحات ومناهج عالميّة.) .(10). ومع ظهور هذه المدارس, بدأ النقد العربي, في عصر النهضة يستمد قواعده و أصوله من المذاهب النقديّة, ومن جميع المدارس التي نشأت نشأة حديثة عربيّة كانت أم أجنبية وبأكثر انفتاحاً, وكان المذهب “الغربي” ومصطلحاته ذا أثر بالغ في التأثير, وفي تطور النقد العربي, وخير دليل على هذا هو تكوين المدارس الأدبيّة ونشؤ المذاهب النقديّة. كما أن الفلسفة الحديثة في الغرب كانت أشد تأثيراً في حركة النقد العربي الحديث, من حيث ظهور الاتجاهات الجديدة الواضحة في النقد, علاوة على تأثر بعض النقاد العرب المحدثين, بآراء النقاد والفلاسفة الغربيين.

      ومن المدارس الأدبية المتعددة التي تركت بصمات في نهضة الأدب العربي والنقد في تاريخنا الحديث والمعاصر, والتي لا شك بأن شعراؤها ونقادها كانوا متأثرين باتجاهات المدارس الغربيّة, كالمدرسة  “الرومانسيّة”  التي برزت ابتداء من نهاية القرن الثامن عشر, ونادت بتفوق العاطفة على العقل, و نادت بالحريّة والتعبير, وتقديم الخيال على العقل وتفضيله في التحليل النقدي, والميل إلى الغموض والأساطير وغيرها, وكان من أبرز مؤسسي هذا التيار في الوطن العربي, الناقد والأديب “خليل مطران” المتأثر بالثقافة الفرنسيّة, ومعه مجموعة من النقاد والأدباء, أمثال: (عباس محمود العقاد, إبراهيم عبد القادر المازني, عبد الرحمن شكري), وهؤلاء الثلاثة كانوا مطلعين على الثقافة الغربيّة ومتأثرين بها. ( 11 ).

       وكان في هذه المرحلة تيار جماعة (أبولو), بزعامة “أحمد  زكي أبو شادي” الذي ظهر بمصر عام 1933م. و أبولو نسبة إلى (أبولون), إله الفكر والجمال وهو رب الشعر والموسيقى عند الإغريق, لقد أخذ هذا التيار أساطيرهم التي كانوا يؤمنون بها. ومنه أطلق هذا الاسم على هذا التيار, وقد أصدرت هذه المدرسة مجلة أدبيّة, خُصصت للشعر وبنشر الإنتاج الأدبيّ لهذه الجماعة  ونشر أفكارهم وآرائهم, وهي أول حركة أدبيّة لتجديد الشعر العربي, والدعوة لنقده في تاريخ الأدب العربي الحديث. وفيها قالت خالدة سعيد : (” لما نشأت مدرسة أبولو, كانت الفكرة الموحدة الجامعة هي الشعر الحق الرفيع, وهو ما عبر عن الشعور تعبيراً فنيّا أصيلاً, ولم يكن ابتذالاً ولاً احترازاً لما سبقه من الشعر “. ). (12).

     كما يخرج تيار ثالث يحمل مبادئ ومصطلحات جديدة للأدب العالمي, هو تيار (الواقعيّة), الذي يعني, نقد الحياة والكشف عما فيها من شرور وآثام, وهذا الكشف هو الذي يظهر الواقع للحياة وحقيقتها الجوهريّة الأصيلة الدفينة.). وقد نادى أصحابه إلى البحث عن الذاتيّة والمثاليّة, وأول ما نشأ هذا التيار وظهر في أوروبا, وهو رد على الرومانسيّة, حاملاً آراء ومصطلحات وأفكار نقديّة للأدب, هدفه ترسيم واقع الحياة كما هو عليه دون التدخل الذاتي, ومشاركة الأدب والشعر للمجتمع مشاركة صحيحة وفعالة, وأن لا يجنح إلى عالم الخيال والأوهام, متخذين من القصة المحور الأساس لهذا التيار, وقد انخرط تحت لواء هذا التيار (نازك الملائكة, وبدر الدين شاكر السياب, ومحمود حسن حامد), ولفيف آخر من الشعراء, متخذين من الشعر الحر هدفاً وطريقاً لرسم معالم هذا الاتجاه في الوطن العربي, جاعلين أدبهم ملازماً للمجتمع وحياته في مشاكلهما و أحداثهما, كما جاء في قصيدة  (الكوليرا) “لنازك الملائكة” و(وهل كان حباً) “لبدر الدين شاكر السياب”, وشعر “محمود حسن في ديوانيه”  (لابد و إصرار). (13).

      هذا وقد ظهر تأثير معظم المدارس الغربيّة في النقد والمصطلح لدى النقاد العرب  والحركة النقديّة العربيّة في تاريخنا الحديث والمعاصر, كالرمزيّة, والبرناسيّة, والسرياليّة والوجوديّة.

ملاك القول هنا:

     إن النقد الأدبيّ العربيّ الحديث والمعاصر بدأ, يصدر أحكاماً نقديّة نظريّة, على النص الأدبي, مبدياً رأيه وفق مقاييس أوليّة توافق الطبيعة الإنسانيّة والفطرة والحس والتذوق الجماليّ الذاتيّ والحدسيّ, وتدور في معظمها حول ما تراه العين, وتسمعه الأذن, ويتذوقه اللسان, أو يشمه الأنف, أي بما يمكن إدراكه عموماً بالحس. (14). وفي كتب النقد أمثلة مليئة بمثل هذه الأحكام, نقف عند واحد منها كتحاكم “الزبرقان بن بدر”, و”عمر بن الأهتم” و”عبده بن الطبيب”, و”المخبل ربيعة بن عوف”, إلى “ربيعة بن حذار الأسدي”. ففي الشعر أيهم أشعر, قال للزبرقان ( أما أنت فشعرك كلحم أسخن لهو أنضج فأكل, ولا ترك نيئاً فينتفع به, وأما أنت يا “عمرو” فإن شعرك كبر ودجر, فيتلألآ فيها البصر, وإما أنت يا “مخبل”, فان شعرك قصر عن شعرهم,  وإما أنت يا “عبده” فان شعرك كمزادة أحكم خوزها , فليس تقصر ولا تمطر) .(15).

     وهكذا كانت معظم الأحكام النقديّة تصدر من هذا القبيل, أي لا تخرج عن الذوق الفطريّ والملاحظة البسيطة والنظريّة الجزئيّة, وهي مطبوعة بطابع الارتجال. بيد أن هذا النقد لم يدم على حالته هذه عندما نظر النقاد فيما بعد بالنظرة الشاملة والمتكاملة إلى النصوص والأساليب, ودراستها دراسة تحليليّة قائمة على المناهج والمقاييس والمصطلحات النقديّة, عمادها الذوق والمنهج والتركيب الثقافيّ والفكريّ واللغويّ, وبعد أن اتسع النقد وتشعبت مباحثه, وتنوعت اتجاهات النقاد لتشمل النقد اللغوي, ونقد الألفاظ الشعريّة ومعانيها, ونقد الأخطاء النحويّة والصرفيّة والنقد البلاغيّ, والنقد الدينيّ والفنيّ والفلسفيّ والفكري الذي تناول البعد الطبقيّ والاجتماعيّ بشكل عام  وغير ذلك. 

د. عدنان عويّد كاتب وباحث من سوريّة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1-  المصطلح النقدي. univ-tlemcen.dz

https://elearn.univ-tlemcen.dz › resource › view

PDF .

2- المرجع نفسه.

3- في مفهوم المصطلح وعالقته بعلم المصطلح(المصطلحية).

The concept of the term and its relation to Terminology

الدكتور: عبد الحميد بوفاس، جامعة عبد الحفيظ بو الصوف، ميلة، الجزائر – فوزية سعيود ، طالبة دكتوراه ، جامعة الإخوة منتوري قسنطينة1مجلة القارئ للدراسات الأدبية والنقدية واللغوية. 18/8/ 2020

4- الويكيبيديا.

5- البيان و التبيين ج1 ص139. تحقيق حسن السندوبي. مكتبة هنداوي.

6- المصطلح النقدي  – مرجع سابق.

7- المرجع نفسه.

8- تطور النقد الأدبي العربي بين النظرية والتطبيق – د/ الهادي امحمد محمد السلوقي / جامعة الزاوية ليبيا- 

9- المرجع نفسه.

10- رامز الحوراني-1992م , نشؤ النقد والأدب وتطوره ج1 ص211.).

11- ). جبور عبد النور ,1981م , المعجم الأدبي ,ص232.).

12- . ) خالدة سعيد , 2979م , حركة الإبداع ,ص13,

13- طور النقد الأدبي العربي بين النظرية والتطبيق – د/ الهادي امحمد محمد السلوقي / جامعة الزاوية ليبيا-  المرجع نفسه.

14- محمد زغلول سالم , تاريخ النقد العربي ج1 ص33.

15- بدوي طبانة ,1972م , دراسات في نقد الأدب العربي ,

ص 13.).

‫شاهد أيضًا‬

عمر بن جلون: القضية الفلسطينية ومواقف أُطُرنا * ترجمة : سعيد بوخليط

فقط مع الحالة الفلسطينية،شَغَلَ الالتباس الإيديولوجي أهمية أولية،وترتَّبت عن ذلك نتائج في …