يبدو أن أخبار تفكيك الخلايا الإرهابية لن تتوقف، فقد أكدت الوتيرة التي سارت بها الأمور لحد الآن، أن هناك عملية تفريخ متواصلة، تستوجب تحليل الآليات التي تشتغل بها، والملابسات المحيطة بها.
المسألة أصبحت تكتسي طابع “الظاهرة”، بمعناها السوسيولوجي، والتي تعني أن هناك أسبابا عميقة وبنيوية، متواصلة ومستمرة، تحكمها قوانين اجتماعية وثقافية ونفسية، يمكن إخضاعها للتحليل العلمي.
ولذلك، سيكون من المفيد أن تدرس ظاهرة الشباب، الذي يشكل خلايا إرهابية، إما بهدف ارتكاب أعمال إجرامية، داخل الوطن، أو للالتحاق بداعش. ما هي انتماءاتهم الاجتماعية؟ توزيعهم الجغرافي؟ تكوينهم الثقافي؟ ارتباطاتهم الأسرية وصداقاتهم؟ كيفية التأثير الإيديولوجي والسياسي عليهم؟ أسلوب تنظيمهم وتجنيدهم؟…
من الضروري ألا يبقى الموضوع عملا أمنيا فقط، رغم أهميته القصوى والحاسمة، أو أخبارا في الصحافة والإعلام. فالحجم الذي وصل إليه عدد الخلايا، والتكرار المتواصل لبروزها، يفرض دراستها، لأن المجتمع في حاجة إلى إدراك ما هو أعمق، لتحصين “ضحاياها” ومواجهة الظاهرة.
ومن بين ما يمكن الاهتمام به، أولا، الخطاب الذي يتم تمريره بين هؤلاء الشباب. وثانيا، القنوات التي يتم عبرها تمريره.
وكملاحظات أولية، يمكن الجزم بأن الشائع في الخطاب الديني، هو التطرف ، ولو كان في صفة “الاعتدال”، حيث لم تتم غربلة التراث الإسلامي، لذلك نجد تقاطعات بين المعتدل والمتشدد في أغلب القضايا، بدءا بقدسية كل ما وصلنا من روايات وأقوال، باستثناء النص القرآني، الذي هو شأن آخر، مرورا بتأويلات وتفسيرات توقف الاجتهاد بصددها منذ قرون، وصولا إلى جمود عقائدي في التعامل مع قضايا مثل لمرأة والجهاد واللباس، وحرية التعبير والفكر النقدي، والحريات الفردية وغيرها من إشكالات العصر الحديث…
أما في ما يتعلق بطرق تمرير الخطاب، فهناك ماهو مشترك، بين المعتدل والمتطرف، وتلعب فيه المؤسسات الدينية الرسمية والخاصة، أدوارا خطيرة، حيث يمكن القول إن هناك “إعلاما” خاصا بالمساجد وبدور القرآن ومدارس و كليات الشريعة… بالإضافة لجمعيات وهياكل، تروج لمفاهيم ومضامين، لا علاقة لها بمشروع إصلاح الشأن الديني، الذي تم الإعلان عنه، والذي مازال في أغلبه، في حاجة إلى تفعيل.
غير أن أخطر قنوات “التمذهب الإرهابي”، هي تلك التي تروج عبر الأنترنيت والشبكات الاجتماعية، و التي تبين أنها تستقطب شبابا من كل الجنسيات والبلدان، والتي لا تشتغل فيها “داعش”، لوحدها، بل أيضا دعاة ومراكز “علمية” وفقهاء العهود المظلمة.

الجمعة 3 ابريل 2015

 

‫شاهد أيضًا‬

يوم بمائة عام ! * عبد الحميد جماهري

(*) منقول عن جريدة الاتحاد الاشتراكي : الاربعاء 1 ماي 2024. لا يمكن للتوقيع بين الحكومة وا…