تعود بنا الأيام الراهنة عشر سنوات إلى الوراء، وهي عمر الدستور الجديد الذي توافقت حوله الأمة.
المحفز الذاتي على تداعيات جذرها عقد من الزمن، ليس هو الدستور، حرفيا، فمهمة استدراجه واستنطاق مضامينه على قاعدة الإنجاز السياسي الواقعي، يلزمها دستورانيون، ودارسون يملكون ناصية المقارنات الدستورية، لكن الذي يحضر بقوة هو المناخ السياسي الذي رافق أو أعقب الدستور.
لقد كانت الأجواء وقتها تعج بتحولات مست الكيانات العميقة لدول كبرى وأخرى أقل شأنا..
كانت الدول تتهاوى، والشعوب تدخل مغارات أفلاطونية كل سكانها يأكلون بعضهم البعض..
وفي المغرب، اختارت الدولة، أو قل الدولة وفاعلها المركزي، تدبير محيط ˜الربيع العربي، وتدبير تفاعلاته الداخلية.
ولو لم تفعل الدولة ذلك، لكنا في وضع صعب.
وتبين أن الدولة قوية، ولكنها ليست طاغية أو حمقاء.
ويمكن القول، من على مسافة عقد من الزمن إن الملكية ساعدت المغرب على ترشيد لحظة تاريخية جامحة، بل أمنت البلاد والسياسة والمكتسب الديموقراطي، تأمينا ساعدنا على النظر من منصة مستقرة وصلبة، إلى المستقبل.
الموجة التي جاءت بممثلي الإسلام السياسي، إلى مقصورة القيادة الحكومية، جاءت بهم بدون أن يكونوا في حاجة إلى التجذيف.. ومجاذيف اللحظة كانت قوية لذاتها.
وقد راكموا، تجربة بديل سياسي لحقل كانت أطرافه معروفة، ولكنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا كبدائل هم بذاتهم، لا سيما في تقوية المكتسب الدستوري وتفعيل مضامينه بشكل يقوي من المؤسسات، ويعيد الثقة ويبني مسارات سلسة ومرنة للممارسة الواسعة.
انحسرت الموجة وقوة الدفع معا.
واليوم نحن أمام مشهد صعب للغاية..
صعب ومعقد، ولا يقدم معطيات لقراءته.
منسوب الثقة صار هو الأدنى في تاريخ المغرب، وأصبح عنوانا كبيرا يتعلق بالنسق العام. وهذه معضلة تطرح، في الجانب الآخر، إجبارية التأمين السياسي العام، من جديد كي نستطيع أن نعقلن التاريخ مجددا، عبر تفعيل النموذج التنموي الجديد، لا باعتباره إنجيلا جديدا للدولة والمجتمع، بل باعتباره الحد الأدنى المشترك بين الفرقاء والمؤسسات الوطنية، للاهتداء به في تقوية المغرب الجديد العادل والمستقر ..
لقد كان السياق الإقليمي، مضطربا بقوة الاحتجاج والثورات، وبقوة التحولات التي تمس الأنظمة، وهو اليوم يغلي بسبب المواقف الدولتية (نسبة للدول التي تحيط بنا).
وإذا كان ثابتا أن العداء الجزائري حافظ على نفسه في كل الظروف والشروط، فإن العداء الإسباني انضاف إليه اليوم، كشرط إقليمي لا يمكن أن نغفله، في تدبير القادم من الأيام.
المغرب اليوم، يتجاوز، في المقابل، وضعه السابق منذ عشر سنوات، فهو يثبت بشكل واضح قوته الإقليمية بالرغم من الكوابح التي توضع في طريقه، بل هناك اختيار شبه مشترك بين القوى الدولية المتضاربة (الصين وأمريكا) على بناء شراكات استراتيجية معه، وتقوية دوره الإقليمي وتصليب استقراره..
أما في المناخ الداخلي، فنحن نتابع التنافس بين الفرقاء، ونكاد نجزم أن منسوب الثبات والبقاء سيكون عاليا في النخبة، وأن دورة التنخيب متباطئة في بلادنا، لا سيما في الطاقم التمثيلي“ في مؤسسات الديموقراطية التمثيلية. ومما سيزيد في بطئها ولا شك، نسبة العزوف المتعالية. ذلك أن الاستقرار الواسع في طبقة المنتخبين، هو نتيجة بدهية للامتناع عن التصويت،كما تعلمنا من نصف قرن من الاستحقاقات الانتخابية.“
لقد تراخت بشكل قوي درجة التفاعل السياسي، وقلَّ كثيرا النقاش السياسي العمومي، الذي تقوده الطبقة السياسية، ونحن منها، بالرغم من كل المناسبات القوية، مثل (الاستشارة حول النموذج التنموي، التطورات الديبلوماسية، تغيرات غرب المتوسط، اللاتمركز، الإصلاح الاداري“، اشتراطات كورونا.. إلخ).
لا يمكن أن نغفل أن بعض القوى السياسية، ومنها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حافطت على قوتها الإصلاحية، بالرغم من نتائجها الانتخابية منذ 2011.
فالاتحاد ربما كان الوحيد الذي ربح معركة الإصلاحات في 2011، حيث أن التعديل الدستوري أخذ من مذكرته قرابة 90 بالمئة، ولكنه خسر الانتخابات لفائدة موجة ربيع تلك الفترة، لأسباب تفوق بكثير الأداء الذاتي لمناضليه.
واليوم قد يكون الاتحاديون والاتحاديات في وضع مشابه، من حيث الحفاظ على قدرة حزبهم الإصلاحية، وتقاطع تقرير النموذج التنموي الجديد مع كل مقترحاته، بنسبة تقارب بالفعل هذا المستوى، وفي الوقت ذاته لديهم شرط أفضل ربما بعد تعاقب ˜تناوبي لمدة عقد.
لقد حافظ الاتحاد على قوته الإصلاحية، وهو من دعاة ضرورة تأمين المسار السياسي الجديد بنخب تقدمية ديموقراطية، لها شرعية حمل المشروع منذ عقود من الزمن.
مشروع الدولة القوية والمجتمع المتضامن، وسط شروط سياسية لم تتغير أدواتها ووسائلها، لفائدة المال والدين..
وذلك براديغم يستحق لوحده عودة مفصلة..

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي *عبد الحميد جماهري

الخميس 8 يوليوز 2021.

الرابط : https://alittihad.info/khater/%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%87%d8%a7%d9%85%d8%b4-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a-%d8%af%d8%b3%d8%aa%d9%88%d8%b1%d9%8a/

‫شاهد أيضًا‬

يوم بمائة عام ! * عبد الحميد جماهري

(*) منقول عن جريدة الاتحاد الاشتراكي : الاربعاء 1 ماي 2024. لا يمكن للتوقيع بين الحكومة وا…