واقفا أمام محل الجزارة على رصيف الشارع، بالمحمدية، أراقب تقدم سيدة متوسطة العمر من الجزار، ثم تسأله: هل يمكن أن تزن لي من الكفتة «اللحم المفروم» مقدار 50 درهما؟
يفعل الجزار، وكل من يحيط بالسيدة يتابع أطوار الحكاية، تقترب السيدة من الميزان، تنظر مليا، ثم تقول:
هذا لا يكفيني، إذن زد عشرين درهما..
وتبحث في محفظة النقود عن ورقة مطوية بعناية، كما لو أنها مخبأة لزمن عبوس قادم.
تغادر السيدة المحل والمشهد برمته،وهي تغمغم بما يفيد أنه لم يعد لها مكان في السوق ويكسر الجزار الصمت ويقدم جوابا عن نظرات الاستفهام:
كثيرون مثلها يحجون إلى المحل يوميا، لم تعد مقتنياتهم من اللحم، التي اعتادوها، تكفيهم،… جزارون غيرنا وضعوا مفاتيح المحلات تحت العتبة…
الجزار غاضب بدوره من فورة الأثمنة في اللحوم الحمراء، وبائع الخضر بجانبه أيضا انضم إلى الاحتجاج على الأثمنة.
هناك موجة استنكار غاضبة من الأثمنة والتهاب الأسعار، مفاصل طبقات اجتماعية برمتها تلتهب من ألم القفة اليومية، وماكان في حكم المتوفر مأدبة يومية من الخضر أصبح مستحيلا.. والأثمنة لا ينكر لهيبها أحد.
يشعر المغاربة أنهم عراة أمام ارتفاع الأسعار، في وضعية من رموه في اليم وتركوه، وهم يرفعون له الأيادي بالتحية كما لو أنه في حالة سباحة سعيدة..
الأسئلة في البرلمان باردة، كما لو أنه تم استخراجها من ثلاجة حفظ الخضراوات واللحوم، الأثمان حارقة والسياسة باردة للغاية.. الوزيرة المكلفة بالأموال المتداولة في الوطن والميزانيات، تتجشأ الأجوبة، مثل ضيف استمرأ المرق في ضيافة هائلة:
الوزيرة تعطي الانطباع الجيد بأن هناك في البلاد مسؤولين يشبعون، ولا تعكر مزاجهم زيارات الأسواق والمحلات…
بالنسبة لحكومتنا، هناك متهم رئيسي هو السيد كوفيد 19، أكبر شناق عرفته البشرية، وهو الذي يخلخل سلسلة التوزيع..
ألم يذهب كوفيد هذا؟
نعم لكن خلاياه النائمة ما زالت مستيقظة.
وما تركه من مهام تولتها الحرب، ويصبح لنا متهم رئيسي آخر: بوتين هو الذي يحدد أسعار الشعير والطماطم والجلبان في سوق الأربعاء، وفي سوق الجمعة في أعالي النجود العليا وفي حي النصر في المدينة..
والجفاف أيضا، متهم ثالث في الخلية الإجرامية، فهو حسب الوزيرة المغربية «الذي أدى إلى نقص الأبقار الأليفة وارتفاع الأعلاف…».
و«لذلك تم اتخاذ تدبير السماح باستيراد 200 ألف رأس من الماشية بدون رسوم جمركية من أجل إعادة دعم إنتاج اللحوم داخل المغرب».
ماذا تقول عن السيدة «طماطم» في الأسواق؟ تقول الوزيرة إن الارتفاع الذي شهدته في الأسواق يعود إلى الظروف المناخية الحالية وإلى نقص الإنتاج…
الخلاصة الحكومية هي أن هناك ثلاثة متهمين في ما يعيشه المغاربة من لهيب في الأسعار:
ـ المشمول بتلقيح الله كوفيد 19
ـ المسكون بحنين الروس بوتين
ـ والعصية على التعريف السيدة ظروف مناخية... والحكومة، ومجلس المنافسة والوزارة الوصية؟
لا أحد يحمي محدودي الدخل والفقراء ومن هم تحت عتبة البرد والهشاشة من غول المضاربين! في عز الدولة الاجتماعية تهزمنا قفة..!
لقد بررت الحكومة ما يحدث، عندما تحملت قليلا من مسؤوليتها، بشبكات الوسطاء واللوبيات وغير ذلك، كما لو أنها قوى غيبية أو وبائية من قبيل الكوفيد أو خيارات جيوستراتيجية من قبيل الحرب الأوكرانية أو لعلها نتيجة حتمية للطبيعة مثل الجفاف، وليس تكتلات أفراد أو جماعات تستطيع السياسة أن تجفف ينابيعها ويستطيع القانون أن يطرد الفساد العمومي منهم ويمكن للاقتصاد أن يفرض عليهم الطاعة للضريبة الوطنية في مواجهة هاته الأوضاع..
والمجلس الذي نتوسل فيه الحرص على أن تكون في الأسعار ما يعين على الحياة لا على اليأس من السياسة ومجالس الحكامة، كان باردا ورصينا ومتفائلا، حيث أن السيد رحو وهو المعني، اعتبر أن ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والخضراوات والأسماك .. ليس عيبا ولا خطأ..
وباللغة المغربية : من منكم شعر بالإثم وهو يدفع أكثر، فلا خوف عليه ولا هم يحزنون، بل لا تقطنوا من رحمة الله إنه لا يقنط من روح الله إلا القوم الكافرون.
والذين قد يشعرون بالذنب إن هم اشتروا اللحم ب100 درهم، لا عليهم وليس لهم أن يشعروا بالعار، فهذا ليس خطأ أبدا، إياكم ثم إياكم أن تصابوا بالكآبة أو الشعور المقيت بالعار، أبدا إنه المنطق، منطق السوق والدنيا¡ أن تطير الدجاجات في الأسعار ما دامت لها أجنحة..
وقد يكون علينا نحن المغاربة أن نشعر بالامتنان لكل من رفع الأسعار، بل ندعو له بالحسنات بما أنه حررنا من عقدة الذنب والشعور بالعار.
وفي الحقيقة فقد أضاف رئيس مجلس المنافسة إلى مهامه العظيمة والتاريخية مهمة أخرى جازاه الله عليها، تمس الوضع النفسي للمغاربة والحرص على انسجامهم الروحي ونفسيتهم ومعنوياتهم، لاسيما بعد أن أثبت لنا جميعا أن سوق المحروقات تسير على هدى من الله وحسب السنة النبوية الكريمة وما يقتضيه السلوك القويم لمن أنعم عليهم الله بالحروب والوباء فاغتنموا وغنموا فاغتنوا! والرجل يؤمن إيمان العجائز -كدت أقول العاجزين – أن الزيادة في أثمنة المنتجات لا تعني وجود مشكل !!! هكذا بكل بساطة…!
ياسلام عليك يا أحمد يا رحو..
وياسلام عليك يا وزيرتنا ويا حكومتنا،
وبعدهما، يا سلام على القوى المدنية والاجتماعية والمهنية التي لم تر بعد ما يبرر الغضب والاستنكار!!!!
الكاتب : عبد الحميد جماهري
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي / الرابط :