الدكتور ماجد الغرباوي، مدير مجلة المثقف الإلكترونية، غني عن التعريف. كتاباته الرصينة شكلت مرجعا فكريا ومعرفيا جعلته يصطف إلى جانب كبار رواد الفكر عربيا ومغاربيا وكونيا. إنه مفكر إسلامي مرموق كرس الجهد المضني لإبراز المقاصد والدلالات والرموز التي جسدتها النصوص الدينية الأصلية. يمتاز بمنهجيته المتفردة وبأسلوبه البسيط المنير للعقول. بتفاعلي مع منتوجاته القيمة تعلمت منه معنى الوضوح والشفافية في الثقافة، والشمولية والموسوعية في تناول القضايا العربية الشائكة. لقد أثبت بالبراهين العقلية أن الاعتدال والوسطية هما الأساس الضامن لصلاح الدين الإسلامي لكل زمان ومكان.

شفافية شخصيته جعلت منهجه قويما جذابا، يقود القارئ بسلاسة إلى التأمل في مراحل التحليل، ميسرا مروره بتركيز عال من الوضعية العادية، ثم الوسطية، ليجد نفسه في الوضعية الختامية مقتنعا بالاستنتاجات المنيرة للعقل والمحفزة على اكتساب المعرفة العلمية والأخلاقية. كما جعلت أسلوبه يتسم بالبساطة والسلاسة. قدرته على تبسيط تحليل القضايا المعقدة مكنته من كسب اهتمام القراء بمختلف مشاربهم. يستحضر النقل ويشهر قوة العقل، ثم يبدع في خلق الحوافز النفسية أمام القارئ دافعا إياه عن طيب خاطر للتأمل وكشف بواطن الأمور والتمييز بين الأصول والفروع. مكانته الفكرية هي تتويج لمساره الشخصي الزاخر بالاهتمامات والبحوث المتواصلة.

المتتبع للدكتور الغرباوي يستشف إيمانه العميق بالإسلام الوسطي المعتدل، مبرزا ما يتضمنه من قيم إنسانية كالحق والعدل والعلم والإيمان. إنه صاحب مشروع نهضوي عربي إسلامي ينضاف إلى مشروعي كل من المفكرين المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري والدكتور عبد الله العروي أطال الله في عمره. إذا كان الجابري يدعو إلى غربلة التراث من خلال تنوير العقل العربي، والعروي إلى القطيعة المنهجية باعتماد المنهج الماركسي الموضوعي والتاريخانية والارتماء في أحضان الحداثة الغربية في القرون الثلاث السابع والثامن والتاسع عشر والعودة الفكرية إلى التراث بمنطق الأنوار، فإن الدكتور ماجد الغرباوي يدعو إلى عقلنة شعور الشخصية العربية والإسلامية وتقوية قيمها العقلانية بالشكل الذي يجعلها تضفي طابع الفاعلية على الروابط بين العقل النظري والعقل العملي.

يمكننا أن ننظر إلى كتابه “المقدس ورهان الأخلاق” بوصفه دراسة في فلسفة التاريخ (التاريخانية عند عبد الله العروي). استثمر في تاريخ الأفكار وما تمخض عن تفاعل النصوص العقائدية بالواقع. وهو يقابل الخلاصات الفكرية مع الأحداث التاريخية التي وازتها، يمكن القارئ العربي البسيط من طرح التساؤلات العديدة في شأن واقعه وسبل الخروج من مآزقه. كتاباته تصوب اهتمام القارئ في اتجاه علة الأحداث وعمقها، فيؤثر في سلوكه واضعا إياه في موقع الباحث عن توجهات جديدة، معترفا بحاجته إلى فهم عميق للفكر الإسلامي، ومحاولا الكشف الكلي على المسببات الواهية التي ربطت الصدام التاريخي بين العقل والنقل في الفكر الإسلامي بنزعات الحفاظ على المصالح والمنافع الذاتية على حساب الأوطان وشعوب المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج.

العقلانية في الدين عند الغرباوي هي دعوة للحسم في مقومات الشخصية الإسلامية بتمكينها من قدرات الغوص في العلم والإبداع والتكنولوجيا. لقد استخلصت من كتاباته أنه، كعبد الله العروي، يستحضر أوضاع تأخر الشعب الألماني زمن عصر الأنوار معتبرا إياها مشابهة نسبيا لأوضاع الشعوب العربية في الوقت الراهن. وهو نفس الاستنتاج الذي أبرزه ماركس. إن تدني العلاقات الاقتصادية الألمانية في ذلك العصر، مقارنه بفرنسا وبريطانيا وأمريكا، يعود إلى تلك الإيديولوجيا المثالية التي تهيمن على الوعي الألماني وتحول بينه وبين تطوره، لأنها كانت تغرقه في الأفكار والخيالات السابحة. كان تفكير الألمان يسبح في السماء ولا صلة له بالإبداع لتجديد أنماط وتقنيات الإنتاج المادي.

بنفس المنطق، لم يدخر الدكتور الغرباوي جهدا في نقد الوعي العربي الزائف وتبيان هشاشته. حياة أغلب أفراد الشعوب العربية غارقة ليل نهار في الأوهام والتعبيرات الشفاهية التي لا تمت بصلة بواجب تنمية الحياة المادية وخلق السعادة الروحية. إن رسائل ودلالات كتاباته تدعوا إلى تشييد حياة جديدة قادرة على تفنيد الأنظمة التقليدية السائدة. لقد بين بالبراهين الدامغة أن الأبنية الثقافية التي شيدت من طرف أصحاب المصالح من رجال الدين ورواد البيروقراطية السياسية أصبحت هشة ومتداعية وضيقة وغير مريحة. في نفس الآن يذكرنا أن استفاقة العرب المسلمين تمليها أمانة استخلاف الإنسان أرضا. فما تعرفه الشعوب العربية من فقدان مستمر لأجزاء من بشريتهما تحت وطأة الاستغراب الرأسمالي أو العقائدي يجب أن يتوقف. الشخصية العربية المسلمة يجب أن تكون عاملة ومتفاعلة، تتفتح وتزدهر باستمرار، وقادرة على أن تحل محل المذاهب العقائدية المتناحرة السابقة. عليها أن تتوق لتغيير وضعها بتملك السلطة المعرفية والإرادة السياسية والرغبة القوية، وبالتالي تنوير واقع الفرد العربي ليلا ونهارا. يعيش ليله مزهوا بهويته وثقافته وتراثه العقلاني، يفكر ويدبر كيف سيكون غده أكثر مردودية ماديا، مردودية تستجيب لسر وجوده ولأمانة كشف أسرار الكون التي لا تعد ولا تحصى.

بالنسبة للغرباوي، معاداة الآخر لا يمكن اعتبارها إلا عائقا أمام طموح النماء القطري، بل موقفا واهيا يعرض الشعوب إلى هدر الزمن والاضرار بالنفس. زمن الحداثة الغربية هام للغاية. لقد كان من الناحية التاريخية نتيجة نشوب حركات التمرد والثورات التي خاضتها الشعوب الغربية ضد استبداد الكنيسة ومريديها. إنه مرجع تاريخي زاخر بفرص وإمكانيات التطور والقطيعة مع سبات الماضي. لقد دعا الدكتور عبد العروي إلى سبر أغوار هذه المرحلة البارزة في تاريخ البشرية. التاريخ الغربي يذكرنا بالفترات الصعبة التي انتصرت فيها العقلانية وفرضت حياة متنورة جديدة. لقد أشار الدكتور علي القاسمي في كتابه “صياد اللآلئ في الفكر والإبداع المغربي المعاصر”، كيف تم اعلان ميلاد حقوق الإنسان في تاريخ البشرية. صدر العهد الأكبر في عهد ملك إنجلترا جون سنة 1215، وتطور إلى إعلان الحقوق بنفس البلد سنة 1689. صدر إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1776، والإعلان الفرنسي لحقوق المواطن سنة 1789. إنه عهد مرجعي في رفع الظلم والحد من الاستغلال البشري والنضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بأي وسيلة. إنه فترة التعبير عن الإرادة السياسية الشعبية لتعميق الفهم للحقيقة بنهج فلسفة تسعى لتغيير الواقع لأجل سعادة البشر. بنفس المنطق، تراث الماضي بالنسبة للغرباوي جزء من هوية الأمة الحضارية شريطة إخضاعه للفحص بغربال العقلانية.

والعالم يعيش زمن تسلط الليبرالية المعبرة عن زمن ما بعد الحداثة بتركيزها على علاقات دولية اقتصادية وسياسية أساسها المصلحة والمنفعة المادية، تزداد الحاجة إلى تقريب كتابات الدكتور ماجد الغرباوي من العقل الشعبي الواقعي في كل الأقطار العربية، للحسم النهائي في مقومات الفرد العربي المسلم بتقوية وجوده الثقافي الكوني ومستوى مقاومته للتغريرات والخطابات التقليدية المناوئة للمستقبل. إن حلم خلق مجموعة سياسية واقتصادية عربية يتطلب أولا وقبل كل شيء الاطلاع العقلاني على تاريخ تحول العالم الغربي في عصر الأنوار، ثم التشبع بقيم الحداثة بحقوقها السياسية والاقتصادية، ثم الحسم النهائي في مقومات الشخصية العربية المسلمة كما بين لنا ذلك كاتبنا الغرباوي، وبالتالي تعبيد الطريق لخلق القطيعة مع كل بال ورث في التراث، وتسريع بلورة استراتيجية تربوية للصغار وتكوينية للكبار حتى يتأتى للجماهير العربية التوجه للمستقبل بانفتاح نافع ماديا ومعنويا، مغتنما كل الفرص المتاحة كونيا في مجال الإبداع والدرابة اليدوية والعقلية ووفرة الإنتاج وتراكم الثروات.

الاعتزاز بالتراث العقلاني هو مرادف للعودة إلى القيم الإنسانية في الإسلام، وإعادة الاعتبار لمفهوم النظم والمؤسسات الإسلامية المنفتحة والمتسامحة، وترسيخ ثقافة الخلق الصناعي والإبداعي الفني في أذهان الأفراد والجماعات. الغرباوي يدعونا من خلال تحليلاته الرصينة إلى تسريع التراكم الحضاري والثقافي بالتخلص النهائي من سلطة تراث الماضي المتخلف الذي يكرر نفسه خالقا لنفسه حواجز عالية تفرمل آلياته المشروعة لكسب مهارات التنافس والحق في الوجود الفاعل كونيا. فلا سلطة إلا للعقل. إنه الأساس الذي بني عليه التاريخ البشري. علينا أن نجد المنعطف المناسب، ونرسخ مقوماته، ونميل، كما مال الغرب، صدفة وإتقانا إلى جهة، فوجد نفسه على رأس طريق معبدة. لقد عثر العرب المسلمين على ذخائر خدمة المستقبل في فترات معلومة من الماضي، إلا أنهم مالوا إلى جهة تاهوا فيها في معارج رملية قاحلة.

كتابه “المقدس ورهان الأخلاق” زاخر بمقومات صقل كفاءات ومهارات الشخصية العربية الإسلامية. الأخلاق مصدر معنوي حضاري، يميز من خلاله الفرد المواطن بين الخير والشر، الحسن والقبح، الفضيلة والرذيلة. فأمام التفاعل السريع للسلوكيات والانفعالات اليومية للشخصية العربية الإسلامية، تبرز مكانة العقل لتحقيق المواقف والأفعال وردود الأفعال المناسبة معبرة عن وجود منظومة أخلاقية جذابة تخضع في أبعادها للمنطق المتعارف عليه كونيا. الرأي العام الكوني لا يمكن له أن يعادي الاختلاف المعبر عنه بالطرق الحضارية المعروفة، بل يمتعض من ردود الفعل غير المبررة والعنيفة. وبذلك، تكون الأخلاق وحيا من مدركات العقل العملي ومشاعر الفطرة الإنسانية السليمة. لقد ترتب عما يعيشه العالم من استبداد علني ومبطن بسبب هيمنة الاتجاهات المادية والنفعية الجشعة في زمن العولمة ميول الإنسان الغربي إلى الاحتكام للقاعدة السلوكية المبتدعة “الغاية تبرر الواسطة أو الوسيلة”. عالم اليوم يحتاج إلى أخلاق وقيم عصر الأنوار وزمن ازدهار الحضارة العربية الإسلامية. نحتاج لحياة فردية تستمد مقوماتها من الأخلاق الحضارية العقلانية، وتكرس في سلوكياتها مهابة الدين في الحياة الشخصية.

المقدس بالنسبة للغرباوي يحتاج إلى التحري المعرفي والتحلي بالدقة والنباهة لتحويله إلى آلية لتقوية الشخصية العربية الإسلامية بالرفع من مستوى جاذبيتها وتحبيبها لسكان المعمور. الجهل المقدس يجب أن يندثر بصفة نهائية من حياة الشعوب الإسلامية ببلورة ميثاق أخلاقي تقدمي منفتح وقابل للتجديد يجعل الدين مقوم أساس للهوية والحياة. الدكتور الغرباوي في هذا الصدد أبرز الاستثناءات والقراءات التراثية المتخلفة عن ركب التاريخ في كتابه السالف الذكر. لقد اخترق سجون العقل وأغلال التفكير وفندها بالدليل والحجة. لقد أثار الجدل الذي عاشته الحضارة العربية في فجر الإسلام (المعتزلة، الأشاعرة، الخوارج، الشيعة، …..). دافع المعتزلة كون الحسن والقبح عقليان، وأذاع الأشاعرة كونهما شرعيان. لقد فند الغرباوي رواية زواج النبي (ص) من عائشة وعمرها ستة سنوات ودخل عليها وعمرها تسعة سنوات. كما ركز بتفسيراته المقنعة على ظاهرة القتل المرفوضة والحق في الحياة (قصة موسى والغلام). إن الكاتب من رواد تحرير الوعي الديني وإخراجه من دائرة احتكاره من طرف مريديه. الحلال بين والحرام بين.

إذا كان العقل النظري هو مفتاح التأمل التجريدي المسخر للاستفادة من خدمات الكشوفات العلمية في الواقع (الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، ….)، فإن العقل العملي يكون في أتم الاستعداد لتحويل النظريات إلى صناعات وانتاجات مادية تنفع الإنسان وتجعله يركز أكثر على المستقبل والآتي من الكشوفات الجديدة. العقل النظري دينيا، يقول الغرباوي، يخضع لمبدأ الإدراك، والعقل العملي أساسه دوافع ومحفزات. داخل هذه الانشغالات الطبيعية التي تضمن استمرار الوجود البشري فوق الأرض، يكون العقل الأخلاقي حاضرا بقوة للحيلولة دون السقوط في الانزلاقات الخطيرة. فهو إذن مشترك إنساني غير مرتهن لأي حكم مسبق ما عدا مبادئه. أدواره حماية الأفراد من السلوكيات المنحرفة المحكومة بالظلم والعدوان، والتي لا يمكن لأحد تبريرها مهما رفعت شعارات دينية وطائفية مؤيدة لها (القتل بدوافع عقائدية وطائفية). الحسن حسن بذاته، يدركه العقل العملي باعتباره واقعا، والقبيح قبيح بذاته تنبذه النفس. الفطرة الإنسانية إحساس أخلاقي ترتهن له القيم والأخلاق كونيا (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله). الميل للخير مرتبط بوضعية يكون فيها الفرد حرا. في التعاطي مع الأحكام الشرعية، يدعونا الكاتب إلى الأخذ بعين الاعتبار القبليات العقدية والسياسية والإيديولوجية. فلا يمكن مثلا تبرير الإرهاب بأقوال الصحابة أو الأئمة الإثنى عشر أو فتاوي الفقهاء. لقد بين لنا كذلك بوضوح تام كيف خضع تاريخيا العقل التراثي للحوافز الإيديولوجية والطائفية.

لقد أسهب الكاتب بما يكفي لتوضيح كون العنوان الأبرز لرسالة الله عز وجل لعباده تتجلى في التسلح بالعلم والأخلاق لتحقيق العبور الدائم من حال الجهل إلى حال العلم. الله يمجد في كتابه المقدس أولي الألباب الذين يربطون انشغالاتهم اليومية بالشعور بالواجب بدون طغيان اللذة والمنفعة غير المشروعة. جاء في نفس الكتاب أن الفيلسوف كانط في هذا الصدد قد دعا الإنسان للفعل الجاد بحيث يمكن لقاعدة فعله أن تكون قانونا عاما. وبذلك يكون مصدر التزام العقل الأخلاقي هو العقل العملي مع اعتبار أن الشخص يعي ذاته بما هي ذات إنسانية مستقلة، وكحركة وجود بحمولة ثقافية ترتكز على خصوصية مندمجة في الحضارة الإنسانية وعلى رؤية شاملة للكون والوجود والإنسان والحياة وما بعد الموت لمن كان مؤمنا بوجود عالم ما ورائي (يوم الحق والعدل). استحضر مسألة الضمير الذي يستمد مقوماته من أدواره الرقابية التي يستمدها من الطاقة الروحية للدين. الأخلاق منظومة معروفة لا تقبل إلا الحسن والفضيلة، ولا تتماهى مع الظلم حتى إن كان دعوة مغلفة بنزعات دينية. مركز انشغال الدين، يقول الكاتب، هو تسديد وحماية الضمير، وليس ذات الفعل الأخلاقي. الدين لا يفرض على الفعل الأخلاقي شروطه وقناعاته. الأخلاق مستقلة لأنها من مدركات العقل العملي.

لقد قدم لنا الدكتور ماجد الغرباوي منظومة متكاملة أوضح من خلالها الارتباطات العقلانية بين الدين والأخلاق والضمير والمقدس (لا تعارض بين جوهر الدين والأخلاق – الدين تجربة روحية، تتقوم برؤية كونية، ومشاعر إنسانية عميقة)، مبرزا إمكانية توحيد الرؤية لتشمل العامة والمثقفين في شأن مقومات الشخصية العربية الإسلامية القادرة على الاستفادة من ماضيها، وفحص قيم الحداثة التي عاشها الغرب في القرنين السابع والثامن عشر، والاندماج في تطورات الحاضر بمنطق الفاعل الطموح المتشبث بالمشاركة في صناعة المستقبل. التجربة الروحية لكل إنسان محورها الله الذي يدعوه لسبر أغوار الكون والبحث عن حقائقه المطلقة سعيا إلى الاقتراب منها، وتسخير حصيلة أعمال أيامه لسعادة البشر المادية والروحية والصحية (الدافع الإنساني الخالص الذي يجعل من أنسنة المقدس شعارا صالحا لكل زمان ومكان).

قداسة النص الديني المتعالية تتطلب توفر الإنسان على القدرة على التدبر والحكمة والتبصر لكيلا يكون أساسها الخوف من يوم الميعاد وتأجيل تحقيق الذات دنيويا والتخلي عن الحق في التمتع بسنوات العمر. فتحرير العقل عند الكاتب أساسي لتمكين الفرد من الوعي بحجم مسؤوليته دنيويا. وفي هذه النقطة بالذات أختم هذا المقال بقولة ربيعة العدوية الشهيرة: “اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك طمعا في جنتك فاحرمني منها، وإن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فارسلني فيها، أنا أعبدك لأنك تستحق العبادة”. لدى المسلم ما يكفي من الأبحاث والمشاريع الفكرية لتحويل العقيدة الدينية إلى مصدر قوة للفعل اليومي وتراكم الخيرات والخبرات العلمية في الحياة. إن فهمه لدينه مع الاعتراف بنسبية معارفه تعد منطلقا للعيش في فضاء أوسع. الآيات الكليات في القرآن الكريم صالحة لكل زمان ومكان، والآيات الجزئيات بوقائعها وأحكامها مرتبطة بالزمن الذي وقعت فيه.

‫شاهد أيضًا‬

فكر متخم تائه : قراءة للقصة القصيرة “الندم” للكاتبة المبدعة كنانة حاتم عيسى . * الحسين بوخرطة

أن تعنون الكاتبة قصتها بكلمة واحدة وهي بالضبط “الندم”، وتستهلها بالحديث عن …